رمضان هو شهر الخيرات والحسنات، فالصيام من أجل العبادات التي تحقق نداء الخير، وتدفع الشر، وهي من عبادات السر، التي تحقق الإخلاص الكامل لله عز وجل، فيؤديها المؤمن رغبة فيما عند الله تعالى وطلبًا لرضاه. ولذا جعل الله ثواب الصيام بابًا خاصًا من أبواب الجنة، ينادي إليه على رؤوس الخلائق تكريمًا لامتثال الإخلاص في الدنيا، فعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة بابًا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد). وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء أنه قيل للأحنف بن قيس: إنك كبير والصوم يضعفك. قال: إني أعده لسفر طويل. لقد أيقن السلف الصالح أن الصوم عبادة عظيمة تقوي كوامن النفس للخير، وتدفع المسلم إلى السعي الحثيث للآخرة.. فكانوا رحمهم الله تعالى يسألون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان.. فإذا استقبلوه أحسنوا فيه، ثم سألوا الله تعالى أن يتقبل منهم.. وقد قال الشاعر محمد الأخضر في هلال رمضان.. حيث تهيأت النفوس لاستقباله، وتاقت إلى قدومه: املأ الدنيا شعاعًا أيها النور الحبيب اسكب الأنوار فيها من بعيد وقريب ذكر الناس عهودًا هي من خير العهود يوم كان الصوم معنى للتسامي والعهود ينشر الرحمة في الأرض على هذا الوجود يفتح الأرواح للحب ويمضي بالصدور وتدور تلك المعاني المعبرة عن شهر الصيام في وجدان شاعر آخر وهو صالح البوريني الذي يرى شهر رمضان ربيعًا بين الشهور، ونورًا يزيح كل ظلام.. يقول في قصيدته الشعرية مخاطبًا شهر الصيام: واحة أنت في صحاري الوجود ونسيم يرف بين الورود في زمان الجفاف أنت ربيع وشعاع في حالكات العهود فيك حارت قرائح ملهمات تبعث الشعر من قرار الهمود حينما شع في الفضاء بريق باسم الثغر من هلال السعود فتح الكون صدره لحبيب رحمة الله فيه بعض الوفود ويرى الشاعر في شهر الصوم مناسبة للاجتماع والتقارب، وزيادة أواصر المحبة والائتلاف بين المسلمين، فهو وافد البشر وبشارته تكمن في تعزيز أواصر التقارب والتراحم والإحساس بالآخرين، والوقوف إلى جانبهم، حيث يقول: إيهِ شهر الصيام أقبلتَ تسعى صادق الوعد، وافيًا للعهود مشفق القلب، مخلص الود، تبغي وصل من كان مخلفًا للوعود مشرق الوجه، ما رجاؤك إلا أن تتوب الحشود إثر الحشود زائر الخير أنت فينا كريم ولطيف المقام حلو الورود وافد البشر أنت ضيف عزيز والمضيفون في شتات الجهود جمع الشمل أيها الشهر إنا في اشتياق لكسر طوق الجمود ويضفي الشاعر صفات الاعتزاز والرفعة وعلو المنزلة لهذا الضيف العزيز الذي يهل على المسلمين فيملأ حياتهم بالتراحم والتعاطف، ويبشرهم بجنان الخلد، والانعتاق من خزي نار الخلود، يقول: أيها الشهر أنت سفر المعاني أنت شمس الزمان بين العقود أول الحظ رحمة تتلألأ تزرع الحب في فؤاد الحقود بشر التائبين بشرى أمان بانعتاق من خزي نار الخلود وهنيئًا للمتقين بشهر يرف الجود من نداه بجود اللهم بارك لنا في رمضان، وارزقنا صيامه على الوجه الذي يرضيك عنا، وخصنا فيه بالآجر الوافر والعطاء الجزيل. *الأستاذ المشارك بكلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية.