حدد الغزو السوفييتي لأفغانستان أواخر سبعينيات القرن الماضي، أجندة عمل الولاياتالمتحدة، التي انشغلت ، باعتراف زبجينيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي آنذاك، بتأهيل تيار إسلامي جهادي، جرى تحميله مهمة إنهاك الإمبراطورية السوفيتية المتداعية، ثم ما لبث أن استحال هذا التيار الجهادي، شوكة في خاصرة واشنطن، التي تفرغت مختبراتها –خصوصا عقب هجمات سبتمبر- لدراسات متعمقة حول الإسلام، لم تستبعد إمكانية العمل لإنتاج «إسلام جديد» في المختبرات الأمريكية. لحظة تجربة المنتج الإسلامي الجديد، حصلت على قوة دفع هائلة، بدخول الرئيس الأمريكي باراك أوباما الى البيت الأبيض، كأول رجل اسود ، ولد لأب مسلم، وتربى في كنف مسلم آخر بأندونيسيا،واهتم بالدراسات الإنسانية وتفوق فيها، وحان دوره في اللحظة، التي استدارت فيها واشنطن للملمة آثار مشهد دموي لمعارك أمريكية فوق أراض إسلامية في أفغانستان والعراق. محاولة تسويق المنتج الإسلامي الجديد، استهلها أوباما بزيارة لمسجد السلطان حسن التاريخي بالقاهرة ، أعقبه بخطاب وجهه من جامعة القاهرة الى العالم الاسلامي كله، وبعد أسابيع قليلة عاد اوباما ليطل مجددا على العالم الاسلامي من اسطنبول، داعيا المسلمين الى الانخراط في العولمة ، والاهتمام بتحسين ظروف معيشة شعوبهم، واستلهام ما ينفعهم من الحضارة الغربية، معتبرا أن تركيا ربما تقدم نموذجاً، ينبغي التطلع إليه وربما استلهامه. بعد حفل تدشين المنتج الاسلامي الجديد من القاهرة ..واسطنبول،اجتاحت رياح التغيير المنطقة ، ولفحت بقوة ما أصبح يعرف لاحقا بدول الربيع العربي، مدفوعة بثنائية لا يمكن ان تقود الى غير الثورة، هى ثنائية الحكم المطلق، والفقر المدقع. ولم يكن مفاجئاً، أن تقود وقائع الربيع العربي إلى تمكين تيارات الإسلام السياسي، من الإمساك بدفة السلطة، فقد قادت عقود طويلة من عملية ممنهجة ل «التصحير السياسي» أو إعدام البدائل والخيارات السياسية الأخرى، الى أنه لم يعد في الساحة سوى خيار الإسلام السياسي، الذي كمن في النفوس كدين، ولم يكن ممكناً اقتلاعه كشعور، ثم انطلق مع الربيع العربي من منطقة الدين الى منطقة السياسة، ومن المسجد الى قصر الرئاسة. في قصر الرئاسة تبدأ المحطة الأهم – من وجهة النظر الأمريكية- لمحاولات التحوير الجيني للإسلام السياسي،الذي تعتقد واشنطن أنه بات خيارا يحظى بشعبية واسعة في دول الربيع العربي وغيرها، لكن هذا الإسلام السياسي لم يكن طرفاً، في عملية استيعاب إسرائيل ضمن إقليم الشرق الأوسط، والتي قادتها أمريكا بقبول واسع من الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، وبينما يخشى الأمريكيون نكوصاً مصرياً عن كامب ديفيد بعد فوز مرشح الإخوان المسلمين د. محمد مرسي، يبعث الأخير برسائل طمأنة في خطابه الاول عقب فوزه بالرئاسة متعهدا الالتزام بكافة المعاهدات والاتفاقيات التي وقعت عليها مصر، ولكن دون ان يشير بالاسم إلى اتفاقيات كامب ديفيد وإلى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وكلتاهما عارضتها ومازالت جماعة الإخوان المسلمين وحزبها (الحرية والعدالة). غدا السبت تصل هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية إلى القاهرة، لبحث دعم عملية الانتقال السلس (لجميع الصلاحيات) الى الرئيس الاسلامي المنتخب محمد مرسي، هكذا قالت مصادر أمريكية عن الهدف من الزيارة، التي تتزامن مع أداء الرئيس الجديد اليمين الدستورية، وتسلمه مهام منصبه رسميا، وفي قلب مهمة كلينتون، ضمان التزام الرئيس الجديد بعلاقات سلمية وحسنة مع اسرائيل، باعتبار أن السلام المصري- الاسرائيلي هو حجر الزاوية في السياسة الامريكية تجاه المنطقة برمتها، وهو اصعب الأسئلة في امتحان العلاقات المصرية الأمريكية تحت حكم رئيس إسلامي. أغلب الظن ان جماعة الإخوان سوف تستعير خبرة فرعها في غزة ( حكومة حركة حماس) في التعامل مع هذا الملف الشائك، فقياديو حماس قد تركوا، لأبو مازن ملف العلاقات مع اسرائيل، هو الذي يزور وهو الذي يفاوض وهو الذي يصافح، وهو الذي تلتقط له الصور التذكارية مع قادة اسرائيل ووزراء متطرفين فيها. وأغلب الظن ايضاً، أن الرئيس الجديد محمد مرسي ، سوف يفضل لهذا السبب، ضمن أسباب أخرى بالطبع، أن يكلف رئيس وزراء جديدا، ووزير خارجية لا ينتميان، لا لجماعة الإخوان ولا لحزبها (الحرية والعدالة)، ولا حتى لحزب النور السلفي الذي سيشارك أيضا في أول حكومة بعد تولي مرسي الرئاسة. يريد محمد مرسي، رئيس وزراء جديدا، ووزير خارجية يمكن، استخدامهما ك"قفاز" يصافح به من لا يريد مصافحته مباشرة، حتى لا ينقض وضوء الجماعة ولا تعهداتها المعلنة، وقد يدفعه هذا الى التفتيش عن من يشغل المنصبين، بين شخصيات ذات ارتباطات دولية واسعة، تمتلك القدرة على ضمان حماية استقلالية القرار المصري، وتقبل أو تستطيع في الوقت ذاته، القيام بمهام بروتوكولية ثقيلة نفسيا، ومكلفة سياسياً، كلما تعين استقبال مسئول إسرائيلي في القاهرة أو إجراء اتصال معه، أو خوض مفاوضات حتى حول تعديل بعض بنود اتفاقيات كامب ديفيد، ومعاهدة السلام مع إسرائيل. حكومة حماس تستخدم قفاز أبو مازن، رغم القطيعة بينهما، والرئاسة المصرية في عهدها الجديد، مازالت تفتش عن قفاز. [email protected]