أرجو ألا يعتقد من يقرأ مقالي أني أريد أن أضارع أهل علم الإدارة وأساطينها في تخصصهم؛ ولكني قرأت الكثير ودرست البعض ومارست القلة وشاهدت العجب، ولهذا فإن ما ستقرؤونه هو ذرة رمل في صحراء علم الإدارة. هناك ظاهرة تتربع على سطح ودنيا الإدارة في عالمنا العربي غريبة بعض الشيء في علم الإدارة الذي يهيمن على كل عمل في حياة العالم بأثره تعدت وظهرت وبانت وشاعت في قطاعات متعددة، هذه الظاهرة تقطع الشك باليقين أن الإدارة لدينا وحولنا في أرجاء العالم العربي أصبحت في وضع تحسد عليه ضعيفة واهنة مريضة واهية تعاني من تدن واضح في كثير مما يتعلق بما هيئتها وشكلها وتطبيقها وتفعيلها واستخداماتها على أننا لن نغفل أو ننسى أن الإدارة في أوروبا تختلف عن أمريكا ودول الشرق ونحن نختلف عن الجميع والسبب أو أسبابها مجهولة تارة نادرة وتارة نحن نعلمها مع العلم أنها أي الإدارة كل إمكاناتها يُغدق عليها وهي متوفرة ومتاحة و مشاعة لأن تكون في أحسن حالاتها وأوجها وألقها لكن هناك فرق وأضح غاية في الوضوح يظهر ما كانت عليه الإدارة قبل عشرين عامًا هي إلى حد كبير أفضل بمراحل مما هي عليه الآن، مع العلم أن التقنية وما وصلت إليه وما استجد فيها في وقتنا الحاضر يخدم ويساعد ويغطي عيوب الجميع بلا استثناء للارتقاء بنوعية العمل وتوابعه وبكل ثغرة حتى في الإدارة ذاتها، وسبب آخر في اعتقادي أن ما أدى للنكسة الفعلية في الإدارة الاستعلاء والإحساس بفوقية حتى على مبادئ الإدارة (ألف باء إدارة) لأن كثيرين وصلوا إلى مناصب أنستهم تعريفات الإدارة المحددة لهذا العلم الذي تفوق تعاريفه المئة تعريف، وهؤلاء كلما صعدوا درجة أو أوكل لهم عمل من العيار الثقيل أباحوا وأعطوا وأصدروا لأنفسهم حق التقييم حسب ما يعرفون بعدم جدوى ذلك العمل وجديته وأنه لا يرقى ولا يسوى، والمشكلة يُعرض نفس العمل على آخرين فتدهشك النتيجة والحقيقة ولكنهم أيضًا لا يعيرون ذلك بأي اهتمام لأن الأمور جلها تتساوى بمفهوميتهم والسبب أنهم مديرين نتمنى لهم الشفاء. أيها العاملون العارفون أنتم تعلمون أن علم الإدارة علم لا توجد له مفردات وتفاسير موحدة متفق عليها، كذلك ليس لها مدلول معين محدد وهي تختلف في معناها لأي منا عما تعنيه للآخر حسب تبحره وتوغله وسبره أعماقها، ولهذا فلغة الكلام الإدارية تعاني من عدم التوافق والتفاهم بين الناس حتى من حيث الكلمات والمصطلحات لتبقى مشكلة معضلة بين البشر، ونحن نعلم أن الجميع في حاجة دائمة لتبادل المعلومات والرأي العام والمنافع كذلك الحال بالنسبة للعلوم والآداب والفنون وغيرها، وإذا أردنا أن يحصل تعاون ملموس وايجابي فيجب تبسيط وتسهيل الأفكار والمفاهيم التي من البديهي أن تكون متداولة، كذلك هناك أبحاث تتعدى الخيال ودراسات تم عملها منذ زمن بعيد ولا زالت مدارس وبيوت وجامعات وكليات ومعاهد الإدارة تنجب وتنتج كل يوم جديد محدث مطور في متناول كل العقول المهتمة القابلة القادرة، لكن السطحيون (ليس أولئك الذين يبحثون عن الطراوة في السطوح)، والقشوريون (أيضًا ليس هم اللي ياكلوا القشر ويسيبوا اللّب) ولكن هناك المدعون هم سبب مشكلات الإدارة من حيث التطبيق وفهم مهاراتها وهؤلاء يحتاجوا (إنهم يجووا على نفسهم) واللا ما ينفع السفسطائية متعمقة ومتجذرة بينهم ما يفيد الكلام يلزمهم العودة ومراجعة ما يعرفونه عن الإدارة وإذا خانتهم الذاكرة فأقل ما يمكن أن يبدؤوا به التصفح وهي في لغة الإعلام (القراءة العابرة وليست السريعة لأن هناك فرق كبير بينهما) لبعض الكتب والمذكرات وتوابعها من أبحاث ودراسات وأساليب وتطبيقات - تصوروا ونحن في القرن الواحد والعشرين البعض يستخدم عضلاته لفرض معرفته بالإدارة تاركًا مهملاً خلف ظهره مستهونًا مستهينًا بالشكل العلمي والعملي لها، فكل من أصبح مديرًا أو رب عمل أو عنده شوية ملايين صار مفتيًا في كل شيء وأولها الإدارة، وهؤلاء يتكلمون بعامية إدارية فاضحة في كل التخصصات و المجالات ناسين أو يجهلون أن لكل عمل قيمة وأعباء وغرض وآلية ومقدرة محددة وحدود وردود فعل (وقدرة إلهية)، إنهم لا يعطون أو يكلفون أنفسهم محاولة الاستزادة والاسترشاد والرجوع إلى مصادر مختلفة متنوعة شتى تعينهم وتقويهم وتغذيهم وتظهرهم في أحسن حال ليبلغوا من خلالها درجة التمكن والإشباع (inrich) لفكرهم الإداري، وبغيرها يكونوا عرضة للإسقاط حيث لا أداء ولا إشراف ولا نهج ولا تنظيم ولا معالجة ذات مستوى يقرب أو تغلب عليه الصحة، وهو ما يؤدي إلى انعكاس على المردود النموذجي للإنتاج بشكل فوري وقوي وتظهر التوابع (خلل وعدم بروز - تفوق - مضاهاة - منافسة) كذلك إن عدم معرفة وغياب المستلزمات والاحتياجات والتحليل والقياس والمقارنة والتقدير والتنبؤ والاستشارة والمعالجة والمحاكاة هي من أسباب أن تشيع العشوائية في الإدارة مثلها مثل البناء أسفل الأودية. مطلوب وجود إداري يقرأ الحال ويقرأ المستقبل بتفاؤل وبأمل وبواقعية ينعكس إيجابًا عليه وعلى الآخرين لنستشرف غدًا إداريًا واعدًا. أيها الجهابذة في الإدارة لا تجعلونا نخاف منكم؛ فإن صار فسنبدأ نخاف عليكم. (*) مستشار إعلامي