ظاهرة المواطن المستأنس التي تحدث عنها الكاتب الأستاذ علاء الأسواني كأحد الأطراف الرئيسة ضد الثورة المصرية التي أشعلها مواطنون مصريون فقد بعضهم أرواحهم وفقد آخرون أطرافهم وفقدت فئة ثالثة عيونهم، هي ظاهرة موجودة في كل دولة نشأ فيها المواطنون على الخنوع والذل والمهانة و»تواءموا وقاموا بتوفيق أوضاع حياتهم مع الفساد، تشوهت المعاني في أذهانهم، فأصبحت الشجاعة حماقة والجبن حكمة والنفاق لباقة .. المواطنون المستأنسون لا يرتبطون بالضرورة بمصالح مباشرة مع (النظام)، لكنهم صنعوا شبكات الفساد الخاصة بهم التي مكنتهم من كسب الأموال بطريقة غير قانونية أو على الأقل غير أخلاقية.. الموظفون الصغار المرتشون المنتشرون فى الإدارات الحكومية. أطباء المستشفيات الحكومية الذين يرغمون المرضى الفقراء على الذهاب لعياداتهم الخاصة.. المدرسون الذين يبتزون التلاميذ من أجل إعطائهم دروساً خصوصية.. الإعلاميون المتعاملون مع أمن الدولة الذين يضللون الرأى العام وينشرون الأكاذيب دفاعاً عن النظام. هل نتوقع من أمثال هؤلاء أن يدعموا الثورة»؟! ومع إيماني أن التغيير سنة الحياة، لكن الله تعالي يقول: {إنَّ اللهَ لا يغيّرُ ما بقومٍ حتى يُغيروا ما بأنفسِهِم} [سورة الرعد/15]. لذا يظل من الصعب مطالبة الناس بالتغيير بعد سنوات من التعود على نهج واحد ورئيس واحد وحزب واحد يصب كله في صالح فئة من المواطنين دون غيرهم بينما باقي الشعب معزول عن تقرير شؤونه. يضاف إلى ذلك أن كثافة الجرعات السياسية التي أصبح يتعاطاها الناس عن طريق الإعلام والصخب والمزايدة السياسية أصابت المواطن المصري بوعكة نفسية أنهكته، وكان على الإعلام، كما يقول أحد الكُتاب المصريين، مسؤولية كبيرة لتهيئة المجتمع للمشاركة السياسية فقط، وضبط الجرعات التي يتلقاها حتى يتمكن من إقامة النظام الجديد المنشود «وبهدوء»، دون آثار جانبية أو انتكاسات نفسية. فالثورة حتى تؤتي أكلها تحتاج إلى مزيد من الوقت حتى يتاح للناس التأقلم مع الأوضاع الجديدة والتفاعل مع أهداف الثورة وتطلعاتها. وهناك رواية لا أعرف مدى صحتها عن الزعيم المصري سعد زغلول تقول أنه كان من المفترض أن يقوم «زعيم الأمة»، كما كان يُلقب، بجمع توقيعات من قطاعات من الشعب المصري تعطيه التوكيل الشعبي للتحدث باسم الشعب المصري في مؤتمر الصلح يؤكد فيه أن الشعب المصري يوكله، والوفد المصري المشارك معه، لاسترداد الحرية وإجلاء الانجليز من أرض مصر. لكن ما حصل هو أن سعد زغلول لم ينجح في جمع إلا أقل من ألف شخص من كل شعب مصر، وهو ما دعاه إلى تقطيع ورقة التوقيعات والنظر إلى زوجته صفية بحسرة ومخاطبتها قائلاً: «غطيني يا صفية .. مفيش فايدة».. ثم مات؟! * نافذة صغيرة: [إن الثورات قد تتعثر خطواتها لكنها لا تنهزم أبدا. الثورة سلوك إنساني فريد إذا تحقق لابد أن يستمر. الثورة معناها أن يفضل الإنسان في لحظة ما مبادئه على مصالحه، أن يكسر حاجز الخوف ويتقبل الموت من أجل الحرية.. الثورة ميلاد جديد للشعب يتطهر فيه من أدرانه وأخطائه جميعاً ليبدأ حياة نظيفة عادلة وحرة.] علاء الأسواني [email protected]