تعد حلقات تحفيظ القرآن الكريم من المنابع الهامة في إخراج المواهب الصوتية سواء من ناحية التلاوة أو الإنشاد، ويكتشف المتابع للساحة الإنشادية بدء أكثر المنشدين المعروفين لتجاربهم الصوتية من حلقات تحفيظ القرآن الكريم، فأحد المنشدين يروي قصة بدايته مع الإنشاد بأنها ترجع إلى واقعة حدثت له عندما كان في حلقات تحفيظ القرآن الكريم، وكون فرقة إنشادية تابعة للمسجد بدعم أحد المدرسين في حلقة التحفيظ، ولم يتقاضَ هو وزملاؤه أجرًا أو مكافآت على أدائهم، الأمر الذي دفعهم إلى التفكير في تأسيس فرقة انشر هذا الفن. ولكن ما أريد أن إيضاحه أنه من الصعب الجمع بين القرآن والإنشاد، وأغلب المنشدين وخاصة "فرق جدة" كانت بداياتها من حلقات تحفيظ القرآن، وهناك من المنشدين حفظة لكتاب الله، وهؤلاء استطاعوا الجمع بين القرآن والإنشاد، وبالتالي على المنشد أن يسخر موهبته في خدمة الدين بطريقة فنية تخلق البهجة والروحانية في قلب المتلقي. ولو عدنا قليلا إلى الوراء لوجدنا أن مكاتب التحفيظ منذ القدم كانت تهتم في الأساس بحفظ القرآن ولا يهتم بالنشيد، أما الآن أصبحت هناك أنشطة طلابية تساعد الشباب في اكتشاف مواهبهم، ومن تلك الأنشطة مسابقة "أجمل صوت" بالتحفيظ ومسابقة ترتيل القرآن وكذلك مسابقة "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن"، لكن بعض الأصوات تكون جميلة في قراءة القرآن ولا تستطيع الإبداع في النشيد، والعكس صحيح. ومن النادر أن نجد حلقات للتحفيظ يهتم بالمنشدين، فالجميع يعطي الأولوية لتحفيظ كتاب الله والمراجعة فقط، لكن النوادي الصيفية هي التي تكتشف المواهب وكذلك الفرق الشبابية، ويفترض فى القائمين على حلقات التحفيظ الاهتمام بمواهب الشباب إلى جانب الاهتمام بتحفيظ القرآن الكريم، فالمدرس يجب أن يكون شاملاً، ولا يعتقد أنه إذا اهتم بمواهب الشباب فسيشتت أذهانهم. وأختتم رسالتي بأن كتاب الله هو الأولى من بين كل الأمور، ولكن هناك أوقات يستحب سماع الإنشاد، خاصة إذا وجدنا البعض يتجه لسماع الغناء الماجن، وهنا نرى أهمية تواجد الإنشاد، فهذا مجال خصب وواسع وهو مجال شريف يساعد على إبداع واكتشاف المواهب الصوتية، وأنه يفضل سماع الإنشاد من الناحية الصوتية بعد القرآن الكريم.