يحتفي العالم الإسلامي في كل أقطاره في نهاية هذا الشهر «رجب» بذكرى المعجزة الإلهية بإسراء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أم القرى إلى رحاب المسجد الأقصى ببيت المقدس، ثم بعروجه عليه الصلاة والسلام إلى السماوات العلا، حتى بلغ سدرة المنتهى، ورأى من آيات ربه الكبرى ما رأى، لتُفرض على أمته خمس صلوات في اليوم والليلة، حيث تمّت هذه الرحلة المباركة في ليلة واحدة، لتكون له صلى الله عليه وسلم المعجزة، التي يقف منها العقل المؤمن بما جاء به ودعا إليه التصديق، منذ سمع من رسول الهدى والرحمة محمد بن عبدالله وصفاً مفصلاً لهذه الرحلة، التي خلدها كتاب ربنا في سورة الإسراء حيث يقول: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (الإسراء: 1)، وحفظت لنا صحاح السنة وسننها رواية الحدث عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما لا يدع مجالاً للشك في الرواية ولا في المعجزة، فهي آية من أعظم آيات النبي صلى الله عليه وسلم، اختص بها عبده محمداً صلى الله عليه وسلم من دون سائر الأنبياء عليهم السلام، وأمره أن يصلي بهم في بيت المقدس، موطن النبوات الأولى، وأمرهم أن يقتدوا به، تشريفاً لقدره وتعظيماً له، ولذلك كان يقول صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي»، والإسراء والمعراج حدثان من أبرز حوادث سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم الشريفة، وقد عُني علماء الحديث بحفظ أسانيد هاتين الحادثتين فرووا فيهما الأحاديث الصحيحة الثابتة، منها المطول ومنها المختصر، وبألفاظ متحدة وأخرى مختلفة، وكلها في مجموعها تدل على صحة وقوع هاتين الحادثتين وعلى ثبوت ذلك تاريخيًا، وهي في مجموعها من التواتر المعنوي الذي تقوم به الحجة القطعية على ذلك، فقد تواترت الروايات في إثباتهما عن سادة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى الله عنهم منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبدالله بن مسعود وأبوذر الغفاري ومالك بن صعصعة وأنس بن مالك وأبوهريرة وأبوسعيد وابن عباس وشداد بن أوس، وغيرهم كثيرون، وقد جمع الحافظ ابن كثير رواياتهم بأسانيدها في تفسيره، ودل على مواضعها من كتب الحديث، والمسلمون متفقون أن الإسراء والمعراج كانا بروح وبدن سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يختلفون على ذلك إلا من شذ، وتاريخ حدوث هاتين الحادثتين وقع اختلاف الرواية عليه، وكذا أهل السير، وأشهره أنهما وقعتا في شهر رجب ليلة السابع والعشرين منه، والاختلاف عليه لا يقدح في ثبوت وقوعهما حقيقة لا منامًا، وليس هناك ما يرجح قولاً على آخر في زمانهما، ولا يضرنا أن نتذكَّر هذه المعجزة التي هي مما فضل الله بها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن نقرأ من سنته وسيرته ما يدل عليها، ونتذكّر ما جرى فيها من أحداث عظام تدل على عظيم مقامه ومكانته عليه الصلاة والسلام عند ربه، ففي هذا إحياء للنفوس بمعجزات سيد الخلق نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، وحثاً لعباد الله على محبته واتباعه ومعرفة شمائله وخصائصه في مجالس علم تعيد وتكرر سيرته في كل مناسبة وذكرى. فقد عني المسلمون على مر الأعصار بهذه المعجزة، وألفوا عنها الكتب، وردوا على شبهات الملحدين المنكرين لها، ورووا قصتها على مر الأزمان، رغبة منهم في سماع أحداث سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم مما يزيدهم له حبًا ولرسالته اتباعًا، ولم يروا في هذا الأمر شيئًا محظورًا، ولا دليل في الشرع يمنعه، فاللهم حبّب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا واصرفها عن الباطل، وكرهه إلينا.. إنك سميع مجيب. [email protected]