الطيور مخلوقات بديعة، فيها من الجمال وأسرار إحكام الخلقة الشيء الكثير، مما لا يدرك كامل كنهه إلا الله. ضرب القرآن بها مثلًا على كمال القدرة الإلهية (ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله، إن في ذلك لآيات لقومٍ يؤمنون). يطير الكثير منها بأداء يفوق أداء الطائرات النفاثة الحديثة. استرعت العلاقة بين أحجام الطيور، والتي تتراوح ما بين 1.5 غرام لبعض أنواع الطائر الطنان وقرابة 15 كيلو غراما لطائر ال»الباترس»، وبين أدائها في الطيران، وأشكال وأحجام أجنحتها، اهتمام العلماء، وتوصلوا إلى أن ثمة علاقة بين كتلة الطائر مرفوعة إلى أس الربع أو مضاعفاته؛ وبين مختلف صفاته الحيوية وقدرته على الأداء الطيراني. ونشأ عن ذلك شتى أنواع الدراسات المهمة، من حيث أنها نوع من التفكر في قدرة الخالق الإبداعية. ثم تبين أن هذه العلاقة الرياضية (من الرياضيات) بين كتلة المخلوق مرفوعة إلى أس الربع أو مضاعفاته؛ وبين مختلف وظائفه الحيوية بما فيها عدد نبضات القلب وطول العمر للجنس من المخلوقات.. الخ لا تقتصر على الطيور فحسب، بل إنها تنتظم جميع الأحياء بدايةً من البكتيريا إلى الحوت الأزرق أكبر الكائنات على وجه الأرض والفيل. وتدل قوانين التصغير أو التكبير للأحياء المختلفة استخدام الطاقة بمعدلات مختلفة، فالايض مثلًا له قانون مفاده أنه ثمة علاقة طردية بين الايض وكتلة المخلوق مرفوعة إلى أس ثلاثة أرباع، أو بالصيغة الرياضية أ = ك 3/ 4. وكمثال على ذلك فإن حجم القط مثلًا يساوي قرابة 100 ضعف حجم الفأر، ولذلك قد يتوقع الإنسان للوهلة الأولى أن سرعة الايض لدى القط تساوي 100 ضعف ما هي عليه لدى الفأر، إلا أنها طبقًا للقانون السالف لا تكاد تتجاوز 30 ضعفا فقط. ولو كان الايض لدى الإنسان مثلًا عند نفس مستواه لدى الطائر الطنان لاحتاج الفرد إلى استهلاك ما بين 45 - 50 كيلو غرام من السكر يوميًا لتوليد الطاقة اللازمة لاستمرار وظائفهم الحيوية، غير أن الأدعى للتأمل هو أن الايض في النباتات هي الأخرى يتبع نفس القانون. هذا الاكتشاف ليس بالجديد إذ لا يزال معلومًا في الأوساط المتخصصة مما يزيد عن نصف قرن حيث لاحظ العلماء وجود ثمة نمط قياسي معين متكرر في كل المخلوقات شبيه بنظام المقياس الهندسي الذي يستعمله المهندسون في رسم الخرائط، لتحاكي بتناسق دقيق النسب للمنشأة الحقيقية على الطبيعة، فكل شيء في المخلوقات سواءً أكان نظام الدورة الدموية، أو تشعبات نظام التنفس، أو الشبكة الوعائية بداخل النباتات، أو الشبكة الأنبوبية بداخل الحشرات تتشعب جميعًا بشكل منتظم بداخل المخلوق الحي، تزداد أو تنقص بمقياس ذي علاقة مطردة مع كتلة المخلوق مرفوعة إلى أس الربع أو مضاعفاته. كما اكتشف العلماء أن التكرارية المنتظمة بمقياس ثابت لا تنتظم الأحياء فقط، بل وكل تشعبات الجمادات بطريقة استنساخ الذات بشكل يستمر في التصغير طبقا لمقياس واحد مهما بدت لنا أنها غير منتظمة أو عشوائية، وأن ذلك ينطبق على كل تشعب في الجمادات بداية من انكسار مجرد قطعة زجاج، أو طبقة جليد فوق سطح محيط، ونهاية بتوزيع المجرات في الفضاء. بلفظ آخر فإن تفرع المتكررات عبارة عن وحدات مصغرة عن الأصل، ولا تختلف عنه إلا في مسألة المقياس فقط، بحيث تكون أصغر وحدة من المنظومة المتفرعة عبارة عن منمنمة أو نسخة مصغرة طبق الأصل من كامل الشبكة الأم، وأطلق على ذلك الاكتشاف نظرية التماثل المصغر ( Fractal Theory )، وهو ينطبق على كل ما أوجده الله في عالم الطبيعة التي نراها من الأنهار والوديان والشواطئ وغيرها، فسبحان الخالق، بديع السموات والأرض. البعض من العلماء والكتاب الغربيين ممن تطرقوا للكتابة عن هذا الموضوع رأوا في ذلك على عكس المتوقع تمامًا تأييدًا لفكرة التطور أو نظرية النشوء والترقي. والسؤال هنا لو كان ما ذهبوا إليه صحيحا فمن أين يأتي هذا الانتظام والتكرار العجيب من الذرة إلى المجرة رغم التنوع الثري إن لم يكن المبدع واحدًا أحدًا سبحانه (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذًا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون). نعم سبحان الله عما يصفون، فما وحدة نظام هذا الكون إلا بسبب وحدانية خالقه، وإلا لاختلفت طرق وأساليب الخلق فيه ولذهب كل إله بما خلق.