ليس من رأى كمن سمع، وقد حضرتُ واطلعتُ خلال الأسبوع الماضي عن كثب في واشنطن على ثمرات البراعم التي غرسها الملك المفدى عبدالله -حفظه الله- ليضخ في كيان الوطن دماء جديدة، وقد كانت ليلة مسطّرة بمدادٍ من الذهب في سجل التعليم، وكان بحق عرسًا للوطن، فقد احتفلت الملحقية الثقافية السعودية في أمريكا بحضور معالي السفير السعودي الأستاذ عادل الجبير الذي يُشرِّف الوطن، فهو قمة في الدبلوماسية والأخلاق، ويستحق مقالًا وحده.. وكذلك حضور معالي نائب وزير التربية والتعليم الدكتورة نورة الفايز التي يشرف حضورها -دومًا- المرأة في المحافل الدولية. احتفلت الملحقية بتخريج الدفعة الخامسة في برنامج الابتعاث الطموح، وهي لم تكن دفعة تقليدية، بل تميزت في العدد الذي بلغ لأول مرة (6000) طالب وطالبة.. يمثل الطالبات 23% من الدفعة وفيها 20 من أقسام الزمالة ونسبة من المتميزين والمتميزات، وبرنامج الابتعاث في أمريكا يستحق الإشادة والتقدير، فقد بلغ (67000) طالب وطالبة، إضافة إلى مرافقين لبعضهم، وهو يشكل أكثر من 50% من أعداد المبتعثين من المملكة إلى مختلف أنحاء العالم، وأستطيع القول من واقع حضوري ذلك المحفل أن ثمة ما يستحق الإشادة والتسجيل أوجزه فيما يلي: 1- لقد رأينا صورًا مشرقة للشباب والشابات تبعث في نفوسنا الأمل نحو غد مشرق للوطن، وإذ حرصتُ على الجلوس مع بعضهم ومناقشة آخرين، ومشاركة أحلام وطموحات نفر منهم، وتأكدت أننا أمام جيل مختلف يحمل فكرًا وعلمًا مختلفين، جيلًا استطاع استيعاب وفهم الفكر الحديث المتطور.. وحين أقول الفكر فإنني أعني ذلك القول والوصف لأننا ألفنا استيراد العالم العربي من قبل للمنتج التقني والتعامل مع وسائل الاقتراحات الحديثة ولم نألف التركيز على المنتج الفكري الذي قاد الشعوب المتقدمة إلى تلك الاكتشافات.. فهو المنتج المحفز للإبداع والاختراع، ذلك الفكر الذي يقوم على فلسفة التعليم وليس التلقين، وأستطيع الزعم من واقع بعض النماذج التي رأيتها في الخريجين والخريجات أننا قد استطعنا خلق منتج فكري جديد، فالشكر لله، ثم للملك عبدالله. 2- ثمة نماذج في أولئك الخريجين لابد من الانتباه إليهم، ومنهم الذي قدَّم بحثًا متميزًا في مجال الطب البشري واكتشف منجزًا في علاج الأمراض المستعصية، وثانٍ أبدع في اختراع جهاز (قووم) الذي يساعد الكبار في السن على القيام والحركة بحرية دون الاعتماد على أحد.. وثالث أجاد في مجال الطب البيطري باكتشاف علاج للطيور التي تتأثر وتضمر أجنحتها مثل ما حصل مع تلوث حرب الخليج.. ورابع أبدع في الإعداد النفسي للمريض قبل تقويم أسنانه وعلاجها.. وغيرهم كثير من المبدعين والمتميزين الذين أخشى أن ننساهم في خضم الاكتفاء بالتكريم والاحتفال، ولا نلتفت لرعاية إبداعاتهم وإنجازاتهم، ونوجد لها تسويقًا يليق بها وبهم ويحمي حقوقهم.. وليتنا نحافظ عليهم ونجذبهم قبل أن تلتقطهم المجتمعات الغربية الجاذبة للإبداع والاختراع.. وليت القطاع الخاص يحتضنهم من منطلق المسؤولية الاجتماعية للوطن. 3- يستوقفنا في خطاب السفير الأمريكي في السعودية «جيمس سميث» إشادته برؤية خادم الحرمين الشريفين الثاقبة في دعم هذه المنح الدراسية وأهميتها في خلق عالم مترابط ومتسامح، وهو ما يتطلع إليه الملك في النهضة بشباب بلاده. وكذلك تركيزه على الثقة المتبادلة التي انطلقت بإرسال تلك الأعداد من الطلاب والطالبات إلى الولاياتالمتحدة إلى جانب تشجيعه للشباب. 4- إن ما تقوم به الملحقية الثقافية السعودية في أمريكا بقيادة المايسترو الدكتور محمد العيسى لهو جدير بالتقدير والاحترام والإشادة، فهؤلاء مجموعة جنود مجهولون بحق، مجموعة شاهدناها بقيادة الملحق الدكتور العيسى ومساعده والدكتور خالد الدامغ، مجموعة كبيرة في إنجازها وليس في عددها، فأنت تلمس في الملحقية أنك في خلية نحل دائبة الحركة والأداء والتواصل، فهواتفهم لا تتوقف، وتلبيتهم لاحتياجات ورغبات الطلاب والطالبات لا تقف عند حد. 5- إنَّ معرض الفرص الوظيفية المصاحب للاحتفال كان رائعًا، ونشكر الجهات الحكومية والخاصة التي شاركت فيه، وقدّمت الفرص الوظيفية لعدد من الأبناء والبنات، فقد كان هو الآخر أشبه بخلية نحل، فالحركة دائبة، والمقابلات الشخصية مع الخريجين على أشدها في سلاسة وموضوعية لا محاباة فيها. دوحة الشعر: فلله در ابتعاث النجومِ لتُشرقَ في الدوحِ مثل الجمان فكونوا كما كان آباؤكم وكونوا الأوائل في كلِّ آن [email protected]