لم تكن الانتخابات الرئاسية المصرية أكثر من عرض إعلامي مبهر. الكل تحولت أنظاره إلى ما جرى في مصر من مظاهر ديموقراطية توجها جو النزاهة الذي تميزت به عملية التصويت. لكن هل يكفي هذا العرض الإعلامي الذي أخذ بألباب المصريين والعرب، لتأسيس الجمهورية الثانية التي يأمل الجميع أن يتحول الشعب فيها إلى مصدر للسلطات؟ كتبت أكثر من مرة أن الانتخابات الرئاسية لن تحل المشكلة في ظل عدم وجود دستور يحدد صلاحيات الرئيس ويفصل بشكل واضح بين السلطات الثلاث: القضائية، التشريعية، والتنفيذية. لو كان هناك دستور لما تمكن الفريق أحمد شفيق الذي قدمت ضده عشرات البلاغات للنائب العام بتهمة الاشتراك في قتل المتظاهرين وإساءة استخدام السلطة، من الدخول إلى سباق الترشح من الأساس. عدم كتابة دستور يوضح بشكل قاطع فلسفة الحكم، ويحدد ضوابط صارمة تضمن ارتهان العمل السياسي لمبادئ وأهداف الثورة، كان أسلوباً ذكياً انتهجه المجلس العسكري لإضعاف القوى الثورية. وهو ما لم يكن ليتم لولا التفاهم غير المعلن بين المجلس والقوى الدينية التي استطاعت أن تحشد الموالين لها للتصويت على عدم كتابة دستور جديد، والاكتفاء بإدخال بعض التعديلات على الدستور القديم. هذه الصفقة سمحت للقوى الإسلامية ولدولة النظام القديم، بأن تنفردا بالمشهد. السؤال الآن هو: هل ستستمر القوى الدينية ممثلة في جماعة الإخوان المسلمين أو حزب الحرية والعدالة، في توجهها نحو عقد صفقة أو صفقات أخرى تحت الطاولة مع المجلس العسكري، أم أنها ستغير من أدائها وتطور خطابها لاجتذاب القوى الثورية عن طريق تقديم ضمانات وعدم الاكتفاء بإطلاق الوعود؟ المطلوب أيضا من جماعة الإخوان المسلمين، منح الأقلية القبطية تطمينات تضمن لهم الحصول على حقوق المواطنة كاملة، ورفع حالة التمييز التي يقول المسيحيون أنهم يعانون منها، وبالذات فيما يتعلق بالترشح للمناصب العليا في الدولة. على الجانب الآخر ستحاول حملة شفيق أن تحشد كل التيارات والقوى التي تتوجس من جماعة الإخوان، بما في ذلك جزء من المتعاطفين مع الثورة لا الثوريين أنفسهم بطبيعة الحال. ويبقى المجلس العسكري في نظري هو اللاعب الرئيس على الساحة، خصوصا بعد نتائج الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية. [email protected]