يجتمع المسلمون في المساجد خمس مرات يوميًا. والمساجد هي بيوت الله - عزّ وجلّ - وفيها يلتقي العلماء بعامة الناس فيعظونهم ويرشدونهم. ولقد اهتم النبي، صلّى الله عليه وسلّم، بإقامة المساجد في المدينةالمنورة بعد أن دخلها. والمساجد هي من أهم المنشآت المعمارية الإسلامية إن لم تكن أهمها. تعريف المسجد في اللغة: يقول كل من الدكتور ناصر عبدالله البركاتي والدكتور محمد سليمان مناع في كتابهما «دراسة تاريخية لمساجد المشاعر المقدسة»: إنه ورد في معاجم اللغة العربية «إن لفظ المسجد جاء من الفعل سجد يسجد سجودًا، ثمّ ورد لفظ المسجَدِ بفتح الجيم والمسجِدِ بكسرها، قال الزجاج: كل موضع يتعبد فهو مسجد».(1) ويُعرف الكتاب الذي أصدرته وكالة وزارة الأوقاف لشؤون المساجد بالمملكة العربية السعودية تحت مسمى «نماذج من جهود المملكة العربية السعودية في بناء المساجد داخل المملكة» - المسجد في اللغة كما يلي: «المسجِد بكسر الجيم: اسم لمكان السجود، وبالفتح جبهة الرجل أو المرأة حيث يصيب السجود الجبهة مع بقية الأعضاء المعروفة (القدمين، الكفين، الأنف، الركبتين). والمِسْجَد بكسر حرف الميم وسكون حرف السين وفتح حرف الجيم: اسم الخَمرِة وهي الحصيرة الصغيرة « (2) وتنقسم المساجد إلى نوعين، المساجد الجامعة، والمساجد غير الجامعة. أولًا: المساجد الجامعة وتكون عادة قليلة العدد ومحدودة في كل مدينة. ويقول البركاتي والمناع: ان ابن خلدون وصف المساجد التي أقامها الحكام والولاة في الأمصار الإسلامية الجديدة، وكذلك التي بنيت في المدن والحواضر التي نزلها العرب المسلمون قائلًا عنها: «إنها عظيمة كبيرة المساحة، تتسع لعدد كبير من المصلين الذين يجتمعون فيها لأداء فريضة الجمعة وغيرها من الصلوات الخمس والصلوات العامة في المواسم والأعياد والمناسبات الكبرى التي تحتاج فيها المصلحة العامة للمجتمع الإسلامي في قُطر من الأقطار لدعاء المصلين». (3) صفات المساجد الجامعة وعناصرها وأجزاؤها: تتكون المساجد الجامعة من عدة عناصر ذكرها البركاتي ومناع في كتابهما ما ننقل بعضه هنا بتصرف: 1 - مساحة المسجد: تكون مساحة المسجد الجامع كبيرة وواسعة، تقع في وسط المدينة بحيث تتسع لعدد كبير من المصلين. 2 - بيت الصلاة: وهو المكان المسقوف الذي يصطف فيه المصلون خلف الإمام لأداء الفريضة. ويعتبر هذا البيت أهم أجزاء المسجد الجامع، ويرتفع سقفه عادة فوق العقود التي تحملها الأعمدة أو الدعائم، التي خُطَّت في صفوف متوازية ومنتظمة تحصر بينها ما يعرف بالأساكيب، وهي الممرات الموازية لجدار القبلة الذي يتوسطه المحراب في غالب الأحيان، والبلاطات وهي المحراب عمودية على هذا الجدار. ويتكون من تقاطع الأساكيب والبلاطات. وبين كل أربعة أعمدة أو دعامات مساحات مربعة الشكل تقريبا تعرف باسم اسطوانات كانت تعقد فيها حلقات الدرس. 3 - صحن المسجد: وهو الجزء غير المسقوف الذي يلي بيت الصلاة، وقد تُرِكَ دون تسقيف ليساعد على وصول الضوء إلى بيت الصلاة، خاصة إذا كان هذا البيت كبيرا وعميقا، وتتعدد فيه الأساكيب، كما هو الحال في بعض المساجد الجامعة مثل مسجد قرطبة ومسجد الأزهر. 4 - المجنبات: وهي الأروقة المسقوفة التي تحيط بالصحن من جهاته الثلاث غير بيت الصلاة وكانت بدورها تتكون من رواق واحد أو أكثر والصورة لهذا واضحة في الجامع الأزهر بمصر. 5 - المآذن: وهي طراز معماري يختلف شكله من عصر إلى عصر، ولم يتقيد المسلمون في تحديد مكانها أو أعدادها في المسجد الواحد، ويُذكر أن معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - أمر واليه على مصر (مسلمة بن مخلد) ببناء صوامع للأذان في المسجد الجامع بالفسطاط، فأقام الوالي أربع مآذن في أركان المسجد، فكان لصوت المؤذنين وهم ينادون للصلاة من فوقها جميعا في وقت واحد دوي شديد. 6 - المنبر: وهو مكان وقوف الإمام لإلقاء خطبة الجمعة أو غيرها، وكان يُصنع من الخشب أو الرخام، وكان يُقام بجانب المحراب ليقف عليه الإمام وهو يخطب حتى يراه ويسمعه المصلون بسهولة. 7 - كرسي السورة: وهو من الأثاث المستحدث في المساجد الجامعة، حيث كان المقرئ يتخذه مكانًا خاصًّا به لتلاوة القرآن الكريم، وأحيانًا أخرى كان يقوم هذا الكرسي في مكان يبلغ فيه للصلاة بعد الإمام حتى يسمعه المصلون جميعًا. هذه العناصر السابقة للمساجد لا تتوفر إلا في المساجد الجامعة، حيث لها دور يختلف عن المساجد العادية.(4) ثانيًا: المساجد غير الجامعة وهي المساجد التي عم بناؤها في العالم الإسلامي كله، وقد يكون البعض من هذه المساجد ملحقًا بمدرسة أو دائرة حكومية أو ما إلى ذلك، كل هذه الأماكن التي خصصت للصلاة دخلت ضمن أعداد المساجد ويطلق عليها تجاوزًا اسم المسجد. ويعطي البركاتي ومناع مثلًا لهذه المساجد، ذلك هو قول أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: «أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب». (5) المساجد التاريخية في جُدَّة: بدأ بناء المساجد في جُدَّة منذ فجر الإسلام، عندما أمر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في عهد خلافته، الصحابي الجليل عثمان بن عفان، رضي الله عنه، أن يبني الجامع العتيق بجدة. ويُعرف هذا المسجد اليوم بمسجد الشافعي، ويقع في محلة المظلوم بسوق الجامع. وكذلك أمره - رضي الله عنهما - ببناء مسجد الأبنوس بجدة أيضًا الذي يسميه أهل جُدّة في الزمن الحاضر مسجد عثمان بن عفان. ثم بدأت أعداد المساجد في جُدَّة في الازدياد بحسب تزايد عدد سكانها منذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا وسيتمر ذلك إن شاء الله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ويوجد في جُدَّة اليوم مئات (بل ربما آلاف) المساجد التي تم تشييدها على أفضل طراز للبناء. وتقوم حكومة المملكة العربية السعودية ممثلة في وزارة الأوقاف بالإنفاق السخي على بيوت الله في جُدَّة - كما في باقي مدن المملكة العربية السعودية - وتمدها بالأئمة والمؤذنين وغيرهم ممن يقومون على خدمة بيوت الله. ومن ضمن مساجد جُدَّة العديدة هذه، توجد بعض المساجد التاريخية التي يعود تاريخ بنائها إلى عدة عقود مضت، وما زال الناس يؤدون فيها الصلوات منذ عشرات، بل ربما مئات السنين. وسنلقي نظرة سريعة على بعض هذه المساجد التاريخية في مدينة جُدَّة، هذه المدينة العريقة التي تُرجعها بعض المصادر التاريخية إلى زمن أم البشر حواء، وهي (جُدة) ترتبط ارتباطًا وثيقًا وعضوًيا بمكة المكرمة بدأ منذ ما قبل الإسلام حيث كانت ميناء لمكة قبل أن تصبح الشعيبة ميناء للبلد الحرام حتى عام (26ه) عندما أمر أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه أن تعود جُدَّة لتصبح الميناء الوحيد لمكة المكرمة. مساجد جُدَّة التاريخية في المصادر الحديثة: في أحد أهم المصادر التاريخية الحديثة المتخصصة في تاريخ جُدَّة يقول المؤرخ المعروف عبدالقدوس الأنصاري - رحمه الله - إن مِنْ أقدم مَنْ تحدث عن مساجد جُدَّة، ناصر خسرو (رحالة من أهل القرن الخامس الهجري)، حيث قال عن جُدة: إن قِبْلَة الجامع ناحية الشرق وليس بخارجها (جُدة) عمارات أبدًا، عدا المسجد المعروف بمسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. كما تحدث الرحالة البشاري المعروف بالمقدسي عن أحد مساجد جدة في كتابه «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» فقال: إن «بها (جُدة) جامعا سريا». وتحدث الرحالة ابن جبير - رحمه الله - عن بعض مساجد جده زمن زيارته لها فقال: «وفيها مسجد مبارك منسوب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومسجد آخر له ساريتان من خشب الأبنوس، ينسب إليه أيضًا رضي الله عنه، ومنهم من ينسبه إلى هارون الرشيد رحمه الله». ولم يتعرض ابن المجاور في «تاريخ المستبصر» للمساجد بجُدَّة.. لقد فاته ذلك مع أنه عقد فصلًا عامًا لفضيلة جُدَّة. أما «ابن بطوطة» وهو الرحالة الذي يعني بذكر المساجد والجوامع والمعابد فقد ذكر أن «بجُدَّة جامعًا يُعرف بجامع الآبنوس معروف البركة يستجاب فيه الدعاء». ولم يذكر بطرس البستاني (في دائرة معارفه) من مساجد جدة، سوى «جامع الأبنوس» الذي ذكره ابن جبير وابن بطوطة في رحلتيهما. ويحدثنا إبراهيم رفعت باشا في «مرآة الحرمين» عن جُدة فيقول: إن «بها خمسة وثلاثين مسجدًا مفروشة بالحُصُرِ الناعمة الجميلة النظيفة إلا إنها تكون مبللة عند رطوبة الجو، وهي مرتفعة عن مستوى الشوارع بنحو ثلاثة أمتار، يُصعد إليها بدرج منظم، وليس بها بيوت خلاء». (6) ويبين الأنصاري - رحمه الله - أنه كانت بجُدَّة قديما مساجد أخرى غير المسجدين الشهيرين المنسوبين إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. -------------- المصادر والمراجع: (1) البركاتي، ناصر عبدالله ومناع، محمد نيسان سليمان: دراسة تاريخية لمساجد المشاعر المقدسة (مسجد الخيف - مسجد البيعة بمنى)، دار المدني، جدة، (1804ه - 1988م)، ص (11). (2) نماذج من جهود حكومة المملكة العربية السعودية في بناء المساجد داخل المملكة، تقرير من إعداد وكالة الوزارة المساعدة لشؤون المساجد بوزارة الأوقاف بالمملكة العربية السعودية، الرياض، (1419ه)، ص(28). (3) البركاتي، ناصر عبدالله ومناع، محمد نيسان سليمان: دراسة تاريخية لمساجد المشاعر المقدسة، مصدر سابق، ص(21). (4) المصدر السابق، ص (22-24). (5) المصدر السابق، ص(25 ). (6) الأنصاري، عبدالقدوس: موسوعة تاريخ مدينة جُدَّة، الطبعة الثالثة، دار مصر للطباعة، القاهرة، (1402ه - 1982م)، ص (423).