لأمرٍ ما كانت هذلا -الشخصية المحورية في رواية قنص- للروائي السعودي عواض العصيمي "تتحدث عن نار كبيرة تأججت في مساء بعيد لسبب لا تعلمه، فجذبها وهج النار من بيت أبويها الصغير، الواقع في آخر البيوت" ولأمر ما، أيضًا، وقفت هذلا أمام هذه النار "حافية، مبهورة من ضخامتها، وكثرة ألسنتها...، وقد لمحت في ألسنة اللهب صورتها: طويلة، حمراء، لأسنانها بريق ذهبي لامع" ثم سألت نفسها -كما يحدّثنا الراوى- قائلة: «ماذا يعني أن تعرض النار صورتي بهذا الشكل؟ كان هذا هو السؤال الأعمق من وجهة نظري في رواية "قنص"، وانطلاقا من هذا السؤال بدأت الرواية تتشكل، ويتشكل نسيجها، عابرة الصحراء كخلفية مكانية، ومرجعية اجتماعية، وفضاء حر للتحليق، بحثًا عن قراءة من زاوية أخرى للصحراء. وكانت النار هي مفتتح الرواية، من خلال سؤال عميق، تطرحه هذلا، وإن كان في ظاهره يعدّ سؤالا ساذجًا، وكانت النار -أيضا- خاتمة الرواية، وذلك من خلال إعادة السؤال نفسه، ولكن في شكل حيرة مبهمة لم تجد جوابًا، برغم أن هذلا اصطحبت النار في ذاكرتها، عبر هذه الرحلة الشاقة التي انسلخت فيها من جلدها، ثم عادت إلى جلدها القديم، وإلى صورتها القديمة التي رأتها "في نار ذلك الغسق البعيد" دون أن تخبرها بالمزيد، سوى أنها "كانت حمراء، طويلة، في فمها أسنان ذات بريق ناري، أو مثل بريق الذهب الصقيل اللامع". والمؤكد أن هذلا كانت تبحث عن صوتها في صمتها، وعن صورتها المخبوءة داخل إطار الصورة الظاهرة، وهي في طريق بحثها عن ذاتها، كانت تصطحب النار في ذاكرتها، لتضيء لها عتمة روحها، ولأنها لم تهتد إلى الطريقة المثلى لاقتحام هذه النارالمتوهجة، ولمعرفة أسرارها، فقد عادت بحيرة وسؤال مفتوح لم يعثر على إجابة. كان هذا السؤال، من وجهة نظري، بشقيه المتشابهين، هو حلقتا البطان لرواية قنص، وإن كانت الرواية في شكلها، وما تنطق به من دلالاتها الأولى، تتحدث عن مجتمع البدو وعلاقة هذا المجتمع بصحرائه وما يحدث على مسرحها من أحداث، غير أن ما تضمره الرواية يكمن داخل هذه النار التي حلّت بديلة للرجم، كما حلت هذلا في جلد ناشي وتلبّست شخصيّته، وكأنهما معًا، يمثلان الرجم والنار في علاقتهما، وعلاقة البدو بهما، وآية ذلك، ما هجس به الروائي، في مكان آخر، خارج نص الرواية، حين قال: « فرق كبير بين (الرجم) و (الموقد). بين البدوي الذي يبحث عن ذاته في صوته، والبدوي الذي يبحث عن ذاته في صمته!. وهذا النوع الأخير، رغم ندرته، هو أكثر أنواع البداوة إنصاتًا لنبض الصحراء، وأعمقها اتصالاً بعوالم الآفاق المفتوحة.