عسير أرض الجبال الشاهقة.. بقيت على مر العصور، ربما بسبب طبيعتها الخاصة، موطنًا لأناس لم يتغير أسلوب حياتهم كثيراً، وحافظوا على عاداتهم وتقاليدهم وكأنهم بذلك يقدمون درساً حياً لعلماء الإنسانيات عن حياة قادرة على البقاء رغم كل المتغيرات. سكان تهامة عسير، الذين يقطنون المنطقة بين مرتفعات السروات والشريط الساحلي للبحر الأحمر.. فهم يهتمون اهتماماً خاصاً بمظهرهم الخارجي ويتزينون بالزهور في شعورهم والكحل في عيونهم، وهم لا يريدون معرفة الكثير عن العالم الخارجي. يتميز التهاميون بالبساطة والكرم الشديد، وعلى امتداد بطون الأودية وبين الجبال الشامخة تمتد منطقتهم وتشتهر عاداتهم في احتفالاتهم في الأعراس أو استقبال الضيوف، حيث يدهش الزائر رغم ما قد يراه من بساطة، ذلك «الجبل» من اللّحم، الذي يعد لاستضافة الضيوف، في احتفال كرنفالي يقوم بإعداده مجموعة من الشباب النشطاء. يستقبلك التهاميون ابتهاجاً بالقدوم، حيث يصطفون بطريقتهم الخاصة للترحيب بالزائر، وعندما تشاهدهم فقد تلحظ في وجوههم الحدة التي تركتها الجبال على محياهم، والتي فرضتها عليهم الطبيعة الجبلية الصعبة، ولكنهم في الوقت ذاته تراهم مترابطين متآخين كإخوة، تربطهم روابط أسرية وإنسانية واجتماعية وثيقة. ورغم أن السمة الغالبة في معظم مناطق تهامة هي رقة الحال، وافتقاد كثير من الأهالي لمقومات الحياة، إلا أن مطالبهم ليست كماليات، بل هي أساسيات، من طرق وصحة وتعليم.. وعندما يهطل المطر عليهم يضعون إياديهم على قلوبهم، حيث تبدأ مأساتهم مع انقطاع الطرق في ظل وجود تضاريس صعبة المسالك. ونظرا لارتباط هؤلاء التهاميين بأغنامهم وأبقارهم وجمالهم، أصبحوا معزولين في منطقتهم، لا يعرفون ما يجري خارج دائرة المكان الذي يعيشون فيه، فهم مازالوا بحاجة إلى الاهتمام والرعاية، وتلبية متطلباتهم الأساسية، التي لا يملكون منها شيئًا.