أوضح شاعر الوطن إبراهيم خفاجي أن مكةالمكرمة عرفت الانتخابات قبل أن يعرفها الغرب لاحقًا، مبينًا أن الانتخابات كانت تجرى حسب كل مهنة؛ حيث يتم انتخاب شيخ طائفة لكل مهنة والذي تخوّل له سلطات معينة، ويمكن لأي شخص التظلم لديه وفق السلطات الممنوحة له، مستعينًا في أداء هذه المهمة بعدة أشخاص كان يطلق عليهم «النقباء» ومهمتهم معاينة الشكاوى، والتأكد من صدق المتظلم في شكواه من صاحب العمل، ويكون الحكم لشيخ الطائفة ومن ثمّ يأخذ الحق له وإنصافه من الظلم الذي لحقه، حيث كانت تأتي من قبل البلدية التي كانت تعرف باسم المحتسب.. جاء ذلك في حديث الذكريات الذي بثه الخفاجي يوم أمس الأول في حفل التكريم الذي أقامه له ملتقى الأحبة بمكةالمكرمة، حيث استهل الخفاجي حديث الذكريات بالإشارة إلى اعتزازه بالانتماء إلى مكةالمكرمة من حيث المولد والمنشأ والتربية، مبينًا أن ما يربطه بمكة هو حب وعشق أبدي يحضر معه أينما حل وارتحل، واصفًا فترة طفولته في حي سوق الليل من أجمل الأيام التي عاشها بمكة، مستطردًا في حديث ماتع عن الحياة الاجتماعية بهذه المدينة وما كانت تتسم به من بساطة؛ حيث كانت تفتقر إلى المياه والكهرباء وصعوبة الحياة، مشيرًا إلى أن المسلمين من جميع أنحاء العالم الذين استوطنوا مكة ذابت بينهم الفوارق، كما اشتهر بعضهم بألقاب المهن التي امتهنوها فمنهم بيت السمان والصائغ والقهوجي والحداد والنجار والخياط والطباخ، مبديًا حزنه على تغير الوضع والناس والنفوس في الزمن الحاضر عمّا كانت عليه في السابق.. ويمضي خفاجي في حديثه عن مكة واصفًا الحركة العلمية بمكة بأنها كانت محدودة جدًا وكلها مستقاة من التعاليم الإسلامية السمحة وديدن أهل مكة في التعامل فيما بينهم الكبير يعطف على الصغير والصغير يحترم الكبير والحياة كانت عادية في مكة، وساعد على ذلك أنها كانت صغيرة جدًا. ويواصل الخفاحي قائلاً: كان أكثر أهل مكة أميين؛ لكن تجدهم علماء في الشعائر الدينية خاصة فيما يتعلق بالحج والعمرة إضافة إلى التكيات والحلقات العلم المتخصصة في المسجد الحرام حيث تجد حلقة في علم الأخرى وأخرى في تفسير القرآن وأخرى في حفظ القرآن وأخرى في المذاهب، كانوا أميين لكنهم كانوا يحفظون ما يتدارسونه مما يجدونه من علم من خلال استماعهم حيث كانت العلوم بهذا الشكل. وعن عادات وتقاليد التي كانت تشتهر بها مكة في الأعياد والمناسبات التي انمحت الآن، أوضح بأن مكة كان بها مظاهر اجتماعية ولكل مناسبة كانت لها أكلة معينة في العزاء تجد الرز بالحمص والزواجات تجد الرز البخاري والسليق والبرياني والكابلي والمديني والعدس والفول حيث اكتسبوا هذا التنوع من الثقافات المتعددة التي كانت موجودة ومن المسلمين الذين يأتون إلى مكة لأداء العمرة وفريضة الحج. ويختم خفاجي حديث الذكريات متناولاً مظاهر الزواج والفرح عند أهالي مكة بقوله: المظاهر كانت بسيطة وكل حي كانت هناك ما كان يعرف بالبرحة يتم نصب الخيام والتيازير فيها وكل شخص يقوم بتقديم ما يمكنه حسب استطاعته وكل حسب مهنته لعمل مجلس في نفس البرحة وإقامة. كما أن صاحب المهنة له الحظ الأكبر للحصول على موافقة أهل العروسة عكس الموظف الذي لا يلقى قبولاً ويتم تعيره بأنه موظف بينما صاحب المهنة يتم التفاخر به وتتم عملية الموافقة عليه فور تقدمه لخطبة العروس موضحًا بأن كانت المهور ميسرة لا تتعدى الخمسة ريالات. ومما كان يتميز به أهالي مكة في أعراسهم ما يسمى بالرفد وهي عبارة عن عطية مالية أو عينية من الأهل والأصدقاء والأقارب وأهل الحي لأهل العريس يقوم برد كل من قام برفده في أقرب مناسبة له إضافة إلى ما يعرف بالصبحة وهي عبارة عن تقديم فطور من أهل العريس للعروس وهكذا كانت الحياة عند أهل مكة الذين تميزوا بكل ما هو خير في حياتهم ومناسباتهم وأفراحهم وأحزانهم في شهامتهم وكرمهم المعهود وأمانتهم المتناهية.