عيضة السفياني شاعر استثنائي، ومبدع يلهب الساحة بقوة حضوره، وتفرد تجربته، التي شكلت إضافة كبيرة في المشهد الشعري، واتسمت بخصوصية إبداعية، فتحت آفاقًا جديدة في سماء الحرف.. عيضة السفياني خصنا بهذا الحوار، ليكون نافذة البوح، وهمزة الوصل مع الساحة ومحبيه.. تحدث إليكم بشفافيته المعروفة، ونثر العديد من المفاجآت عبر هذه المساحة، وتحدث عن العديد من القضايا التي أشغلت ساحة الشعر، أترككم مع الشعر وأنفاسه، وحديث مختلف، بنكهة الوعي والثقافة، فإلى نص الحوار: 0 أصبح حضورك الإعلامي في الفترة الأخيرة مقننًا. ما الأسباب؟ - في تصوري أن أي تجربة شعرية يصحبها كثير من التغيرات والقناعات المقنعة، التي يعزز بعضها البعض تارة، ويلغي بعضها البعض تارة أخرى، هذه القناعات تملي على هذه التجربة متى تحضر ومتى تغيب، وما يحسب لها وما يحسب عليها، فلذلك أنا أقول يجب على الشاعر أن يختار المكان الذي يليق بمكانته وفق قناعاته المقنعة والمتمرحله مع تجربته، هذا كل ما في الأمر يا صديقي. ليس هناك أسباب، وأعتقد أن هذا التقنين سلوك واعٍ لأي تجربة خرجت من مرحلة الانتشار إلى مرحلة الاختيار. 0 وكيف علاقتك مع مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر والفيس بوك؟ - لدي حساب باسمي في الفيس بوك قائم عليه صديقي ماجد المنصوري له ألف شكر أزوده بما أرغب نشره، ويزودني بما يكتب في الصفحة من آراء وردود، وصفحة أخرى لجمهور عيضة السفياني أنشئها صديقي الأكثر من رائع هاني حجازي وهو القائم عليها له من الشكر أجزله، أما تويتر فليس لي سبيل إليه. 0 لديك مشروع لكتابة نص شعري لمقدمة مسلسل تلفزيوني. ماذا عنه؟ - هو مسلسل بدوي حداثي من بطولة عبدالله السدحان، وسيناريو عنبر الدوسري، وأشعار عيضة السفياني، وسوف يعلن عن بقية تفاصيله قريبًا. 0 تغير مكان إقامتك من الطائف إلى الرياض. غيابك عن المصيف الأجمل وإطلالتك على حضارة وثقافة العاصمة. هل انعكس على نصوصك الأخيرة؟ - صدقني يا سلطان من كثر حبي للطايف اخترت أعيش في الرياض بعيدًا عنها وهي تنزف صباح مساء، وتفقد ملامحها الجذابة وألوانها الساحرة، وهذا الغياب ليس باختياري عندما اخترته أو جسدته في نصوصي الأخيرة، إنه غياب كلما هربت منه يلاحقني وأنا أسير في شوارع العاصمة فيخطفني من ثقافتها ويكتب مواجع وفواجع عروس المخاوف! 0 هل كان برنامج شاعر المليون المنعطف الأهم في مسيرتك الشعرية؟ - بالتأكيد هو الأهم في مسيرتي الإعلامية، والأقل في مسيرتي الشعرية. 0 ما الذي تغير بالنسبة لك قبل وبعد مرحلة الشهرة؟ - قبل الشهرة كنت أضع شماغي على كتفي وأفطر في بوفية متهالكة، وأكمل كاسة الشاهي على رصيف مشرق تفوح منه رائحة الرغيف والخبز الطازج كل صباح، فأخذت الشهرة شماغي من على كتفي ووضعته على رأسي 24 ساعة وحرمتني الكثير وأصبحت لا أستطيع التقاط أنفاسي لزيارة ذلك الرصيف المبتسم في وجه البسطاء. 0 هل ترى بأنك نجحت في استثمار نجوميتك في أداء رسالتك الشعرية كما يجب؟ - لا أستطيع الإجابة على هذا السؤال أكثر منك أنت والقارئ العزيز لتجربتي والمؤمن برسالتها، كل ما أعرفه أن الشعر رسالة والشاعر مرسل والجمهور مستقبل يتأثر بها ولا يؤثر فيها، إن صدق فيها الشاعر رفعته وإن كذب صفعته، جعلني الله وإياك من الصادقين والمبلغين لرسالة الشعر. 0 في الوقت الذي اتكأ فيه الكثير من الشعراء على قبائلهم، استندت أنت إلى قبيلة الشعر، ما المغزى الذي رميت له؟ - كل ما في الأمر أنني ذهبت مع الطريق الأقصر للهدف الأسمى لإبراز أهمية الشاعر ورسالة الشعر، ومحاولة إخفاء الأهداف الثانوية والمشوهة لجمال هذا الكائن العظيم الشعر، ولإيماني المطلق أن الشاعر قبيلة لوحده، فليس هناك ما يستدعي لحضور شعر القبيلة معه أيضًا، ومن هنا تركت شعر القبيلة وتحدثت بلسان قبيلة الشعر فلسانها يمتد من المحيط إلى الخليج. 0 كونك من الشعراء الذين يتمتعون بثقافة واسعة، كيف وظفت ثقافتك لصالح شعرك؟ - أعتقد أن الثقافة عندما توظف في الشعر بشكل متعمد لا تخدمه؛ لأنها تنتج شعرًا شبه مصنوع ومتشظي في أغلب الأحيان، أنا مؤمن أن الثقافة رافد من روافد الإبداع وتشكل لدى الشاعر ثراء لغوي، وكل ما يجب على الشاعر المثقف إن وجد الاستفادة من هذا المخزون الثقافي بعيدًا عن التوظيف المقصود والإقحام المراد به استعراض ثقافة فقط، والذي يتنافى مع ماهية الشاعر الخلاق والمبتكر. 0 كثيرًا ما تتماس نصوصك مع هموم وقضايا الناس. هل هذا النهج قربك إلى الناس أكثر؟ - يقول أحدهم: أنتم الناس أيها الشعراء. وأنا أقول: الشاعر ينام وعدسة عينه الشعرية تسير في الشارع تفحص الوجوه العابرة وتقرأ تفاصيلها، ومع كل صوره تلتقطها يصحى الشاعر ويكتب قصيدة تنفس الهم وتحكي عن أفواه الناس، وكلما لامست همومهم وضغطت على جراحهم اقترب شاعرها من قلوبهم. 0 شاركت في عدة مناسبات وطنية ومجتمعية مهمة. حدثنا عن أبرز هذه المشاركات؟ - كان أبرزها مهرجان الطائف مدينة الورد من خلال قصيدة صاحبي السجن، ومهرجان الجنادرية، وتمثيلي للمملكة في مهرجان الخالدية بدولة الأردن، ووقوفي بجوار الجيش السعودي على جبل دخان، ومهرجان أهل القصيد بدولة البحرين، والقائمة تطول. 0 أيضًا شاركت بمسابقة شاعر الملك. فكيف وجدت هذه المسابقة، وهل أنت راضٍ عن نتائجها؟ - في البدء وجدتها مسابقة جميلة ورائعة. أما مسألة الرضا من عدمه، هل ستصدقني لو قلت لك لست راضيًا، وهل أصدقك لو حلفت لي أنك مصدق يا سلطان. وهل ستصدقني لو قلت لك كانت قصيدتي ترقص على رؤوس الأفاعي، وهل تصدق لو حدثتك عن صديقي (أبوستة)، هو باختصار صديق يحمل ستة أصابع في اليد الواحدة، ولكنه يلبس قفازًا بخمسة أصابع. هل ستصدقني في هذا؟!. والغريب في أمر أبو ستة أنه يخامس الناس لا يسادسهم! خطير أبوستة هذا والله انه ما هو سهل.. الله يوفقه. لا وأزيدك من الأرقام ستة، تدري إن أبوستة نقي من الخارج، ولكنه إذا تنحنح في أرض يتم تعليق الدراسة فيها لمدة ست ساعات وست دقايق. أنا طالبك تصدقني يا سلطان، ولا تدري صدق أو لا تصدق. بقي أن أشكر وبصدق قناة المرقاب والقائمين عليها، وعلى رأسهم الشيخ مسعد بن سمار والشاعر حبيب العازمي والأستاذ فهد الثبيتي واللجنة الموقرة. 0 ساحة الشعر الشعبي حاليًا.. كيف تجدها؟ - أجدها متقلبة كأجواء مدينة الرياض من الصعب أن تقبض على ساعة من نهار فيها خالية من الغبار أو ساعة من ليل تعد فيها النجوم وتسامرها، وهذا الكلام لا ينطبق على الشعر، وإنما على الساحة فقط؛ لأن ثلاثة أرباع الشعراء المبدعين خارج معترك الساحة الشعبية؛ فلذلك من الصعب رؤية المبدع في ظل كثرة المنابر المتناثرة من السماء إلى الأرض. 0 بحكم أنك أحد شعراء الألفية الثانية. أين أنتم من شعراء الثمانينيات؟ - هم السابقون ونحن اللاحقون، في الحقيقة شعراء الثمانينيات كان لديهم صوت موحد وكذلك منبر موحد قائم عليه من هو منهم هما وفكرا وتوجها مما جعل صوتهم مسموع أكثر، وتجاربهم أكثر تأثيرًا ونضوجًا، وأقلامهم النقدية كذلك تزامنت معهم كشموع مضيئة بين عتمات القصيدة الثمانية، كل هذا أوصل القصيدة إلى ما وصلت إليه في الثمانينيات، أما شعراء الألفية الثانية بلا شك هم استفادوا من تجارب من سبقوهم وانطلقوا من أرضيتهم وأضافوا عليها ما لم يقله شعراء الثمانينات، ولكن الإشكالية تكمن بالضبط في افتقادهم للصوت الجماعي وغياب المنبر الموحد الذي يجمع شتات أصواتهم المتوزعه على مئات المواقع الالكترونية وعشرات المطبوعات وكذلك القنوات، كما أن غياب الناقد عن مرحلتهم أيضًا ساهم في غيابهم لذلك ومن هنا أقول: من ينظر لتجارب كثير من شعراء الألفية الثانية يجدها تستحق الاحترام أمثال: محمد الاسمري وصالح العلاوة وعبدالله الكايد وعبدالله سعيد ومحمد عيضة وعاطف الحربي وبندر الثقفي وعبدالرحمن السميري وبندر بن محيا ومحمد علي العمري وصالح العنزي وآخرون كثر. 0 تعددت الفضائيات التي تعنى بالشعر والتراث. كيف ترى أداء هذه الفضائيات؟ - لها ايجابياتها وعليها سلبيات، وهي ليست بمستوى واحد، ولكنها تشكر على اهتمامها بالموروث الشعبي باختلاف جهاته وتوجهاته، وأتمنى منها الأفضل والأجمل ورفع الذائقة. 0 علاقتك مع منظمي المهرجانات والأمسيات في الطائف يسودها بعض التوتر أحيانًا. ما تعليقك؟ - أصدقك القول كل ما في الأمر أنني لا أؤمن بأن هناك مهرجانات بمعناها الحقيقي تقام في الطائف، وإنما هي اجتهادات بسيطة تحت مسمى التنشيط السياحي، حولوها هؤلاء المنظمين إلى التثبيط السياحي، وأنا لا أرضى المشاركة فيها وهي بهذا الشكل المحزن، ومن يشارك فيها بدور يصبح دوره كدور حمالة الحطب! 0 لا بد أن يعاني كل ناجح من ترصد حاسديه. وبما أنك من الشعراء الناجحين، كيف تتعامل مع من يحاربوك؟ - لا أجهد تفكيري فيهم. أبتسم فقط؛ لأني مقتنع جيدًا أن الحواجز التي خلفي لا تعيقني عن التقدم، وكلما خرجوا عليَ مثنى وثلاث ورباع، أتذكر قصة ذلك الرجل الفقير من شدة بغضه وحسده والذي كان يتمشى في طرقات المدينة ليلة العيد فرأى الناس تأكل اللحم فتحسر على نفسه وقرر الرجوع إلى المنزل، وحينما رجع وجد زوجته قد حضرت الأكل ولا يوجد عندها سوى الفول، فتوجهت إليه قائلة: كل عام وأنت بفول! فرد عليها ببرود: وأنتِ أفول. فجلس وبدأ يأكل الفول ويرمي قشره من النافذة وهو يقول: الحمد لله الذي رزقني من غير حول مني ولا قوة. فدمعت عينا الحاسد الفقير وقال: رضيت يا رب. فلذلك يا سلطان عش حياتك بكل ثقة إن الله يعلم مالا تعلمه أنت، ويخطط لك بأفضل صورة يراها لك. 0 منتداك الشخصي ماذا قدمت له، وماذا قدم لك؟ - قدم لي أكثر من ألفي عضو تشرفت بقربهم ومعرفة البعض منهم، أشكرهم وأعدهم بتقديم ما يليق بهم وبمنتداهم وأعتذر منهم عن القصور والغياب لكثرة ارتباطاتي وأشكر الصديق والإنسان الرائع هاني السفياني على جهوده واهتمامه. 0 كونك شاعرًا ومدرسًا، هل تؤيد أن يدرس الشعر في المناهج الدراسية؟ - أصبنا بتخمة يا سلطان من الشعر الشعبي. أعذرني إن دخل المدرسة خرجت منها! 0 أين تجد نفسك أكثر في الشعر العامودي أم التفعيلة؟ - في القصيدة العمودية أجدني أكثر انسجامًا. 0 التقيت المنشد سمير البشيري، فهل حصل بينكما تعاون؟ - لم يحصل لي الشرف، وإنما هي فكرة كانت من قبله على عجالة، عندما التقينا في حفل تدشين أحد إصداراته. 0 كتبت للهلال ومررت النص من خلال حنجرة حكم نصراوي. هل كانت ردة الفعل أقوى مما توقعت؟ - بالنسبة لي انتهت مهمتي بمجرد انتهائي من كتابة القصيدة، وعندما أراد صديقي الفنان والحكم عبدالرحمن الغامدي الشهرة اخترت له أقصر الطرق، حكم نصراوي يغني للهلال، وبالفعل كانت ردة فعل غير متوقعة، نجمت بالغامدي وقطعت رزقه، بعد أن فصله عمر المهنا من التحكيم، وأنا أشكر أبو طارق على أداءه الرائع وأقول له أخرج من الشمس وأغرق في الموج الأزرق. 0أخيرًا ما تحقق لك من نجاح. كم نسبته من مستوى طموحك؟ - ما زال الركض مستمرًا ولدي أشياء لم أقلها بعد، وأفكار كثر منها ما هو مطروح، ومنها ما هو قائم، ومنها ما هو متكئ تنظر إلي وهي في أهبة الاستعداد لتنهض وتأخذ مكانها الطبيعي في حينها. لست مجانبا الصواب إن قلت ما حققته أقل من نصف الطموح يا صديقي.