الإجراء الذي اتخذته وزارة التجارة تجاه شكوى مواطن ضد مطعم في جدة؛ فرض رسوم خدمة، وأعلن أحد عمالته تحديه للمواطن قائلاً: "روح اشتكي أنت ما تعرف من هو صاحب المطعم" هو إجراء محمود ظاهرياً، لكنه يضع كل العبء في الرقابة على المواطن، بينما تكتفي الوزارة بالمتابعة اللاحقة، كما أنه يفترض أن كل المواطنين لديهم نفس حماس -حتى لا نقول وعي- المواطن الشاكي؟! والأهم من كل ذلك، كما يقول الزميل خالد السليمان، "وماذا عن المطاعم التي قامت بزيادة أسعارها لتعوض قيمة رسم الخدمة، هل تمت محاسبتها أم أن المسألة لم تكن أكثر من حذف مسمى رسم خدمة استعادته المطاعم من جهة أخرى كاملاً مكملاً وفوقه حبة مسك"؟! *** وإذا تركنا الخبر وبحثنا عن ما وراءه سنجد أن تصرف العامل يقوم على المنهج الخفي في التعاملات في مجتمعنا، حيث يسود لدى البعض الشعور بالفوقية الذي يعتمد على من تعرف عوضاً على من تكون وما هي إسهاماتك في المجتمع، مما يفسح المجال للمحسوبية أو ما يُسميه البعض ب «فيتامين واو». فهو شكل من أشكال القبلية التي لايريد بعضنا أن ينساها، لهذا تجده يردد قول أجداده من الشعراء الذين قال أحدهم متفاخرا بأصله وفصله ونسبه: ونشرب إن وردنا الماء صفوًا ويشرب غيرنا كدرًا وطينا فالنجاح الاجتماعي في عرف هؤلاء لازال يقترن اقترانًا قويًا بالقدرة على خرق القوانين، فالبعض يظن أن الأنظمة والقوانين إنما سُنت للفقراء والبسطاء (الذين يشربون كدرًا وطينًا).. أما هو وزمرته فإنهم فوق القانون.. لهذا قال عامل المطعم للزبون، الذي يقضي العُرف التجاري بأنه دائماً على حق، "أنت ما تعرف من هو صاحب المطعم"، ويقول آخر "أنت مش عارف بتكلم مين؟!"، ويدعي ثالث: "أنت مش عارف أنا ابن مين؟".. وهكذا اصطنع الجميع ذلك الطابع المتكبر الغامض كأنهم خلقوا من طينة أخرى غير تلك التي خُلق منها البشر؟! *** وإذا كانت ظاهرة العجرفة والتطاول على الناس هي أحد المظاهر التي اشتكى منها المصريون في فترة ما قبل ثورة 25 يناير، فإن "البلطجة" أصبحت من المظاهر التي يشتكي منها المجتمع المصري وتهدد بقوة الذراع ما كان يخشاه الناس بسطوة الحكم. وقد قرر بعض المثقفين اتخاذ خطوات عملية لمناهضة تفشى هذه الظاهرة اتخذت مساراً تهكمياً، إذ سيبدأ بتصميم "تي شيرتات" مكتوب عليها "إنت ماتعرفش أنا مين، أنا قريب الباشا"، كنوع من أنواع التهكم والسخرية على ما وصل إليه المجتمع المصرى من حال. نافذة صغيرة: (كل ما يهمني في الأمر هو ألا يكون الأمر مجرد استعراض إعلامي يداعب أحاسيس المجتمع دون أن يقدم لهم في حقيقة الأمر أي فائدة، فلوزير التجارة اليوم أسهم عالية في سوق تداولات المواطنين، لكن مؤشرات الأسهم غدارة!) خالد السليمان [email protected]