لا تزال المنشآت والمنظمات في المنطقة العربية تعاني من تجاهل دور العلاقات العامة كصناعة مهمة وحيوية في مستقبل التنظيمات الإدارية، وتلعب دورًا في تقديم صورتها لدى جمهورها بنوعيه الداخلي والخارجي.. وكثيرًا ما تلقيت مداخلات واستفسارات في محاضراتي عن استراتيجيات العلاقات العامة، تدور في مجملها حول معاناة العاملين في هذا الحقل من تجاهل إداراتهم العليا لطلباتهم وحاجاتهم في سبيل تطوير الجهاز، فضلًا عن ضعف الثقة بجدوى نشاط العلاقات العامة.. فالموروث الثقافي الإداري في منطقتنا العربية يضيّق المساحة الواسعة لدور العلاقات العامة في التنظيمات الإدارية لقناعاته بأنها مركز تكلفة وعبء على المنظمة، وهو إجحاف كبير في حق هذا النشاط المهم وتجاهل لدوره في نجاح أو فشل المؤسسة ومنذ عهد (Ivy Lee) الأمريكي 1921م -الملقّب ب »أب العلاقات العامة» وصاحب السبق في مسماها- وحتى اليوم يدرك الغرب أهمية هذه الصناعة في بناء الهوية المؤسسية وتحسين الصورة (بناء سمعة طيبة والمحافظة عليها وتحقيق الفهم المتبادل بين المنظمة وجمهورها) شرط أن تُبنى مهامها على أسس النزاهة والموضوعية والصدق في نقل صورة حقيقية عن الجهاز الإداري الذي تدافع عنه.. حتى ان بعض الخبراء في مجالها يذهبون إلى استخدام مسمى الاتصال Corporate Communications ويعدونه أكثر شمولًا في التعبير عن أنشطتها كما يرون أن مسؤولية الاتصال ليست مقصورة على العلاقات العامة والتسويق فحسب بل هي من مهام كل مدير وموظف ينتمي للجهاز الإداري.. ولذلك تدعم المنظمات الإدارية في العالم الغربي جهاز الاتصال أو العلاقات العامة وتوليه عناية خاصة في الهيكل التنظيمي فتجعل المسؤول عنه قريبًا من الرئيس الإداري.. والأهم من ذلك أنها تدرك أهميتها في بناء السمعة أو السّمة وبالتالي في تحقيق ربحية المنظمة.. وكثيرًا ما كنت أقرأ علامات الدهشة في بعض محاضراتي ودوراتي حين أوجه سؤالي التقليدي: (هل تعتقد أن العلاقات العامة هي بوابة ربح للمنشآت؟).. لأن العاملين في نشاط العلاقات العامة كثيرًا ما يحبطون من موقف إداراتهم العليا تجاه مفهوم وأهمية نشاطهم فهم في نظر الكثيرين -وهو مفهوم خاطئ- مراكز تكلفة وأعباء على المنظمات غير أنني أضيف هنا واستدرك -حتى أكون أمينًا في تقييم هذا الموقف- بأن ثمة عاملين في قطاع العلاقات هم الذين يسيئون لهذا النشاط، فهم غير جديرين وغير أكفاء للاضطلاع بمهام ومسؤوليات النشاط.. إلا أن العيب ليس فيهم وحدهم، بل في الذين أبقوهم في جهاز حيوي مثل جهاز العلاقات، ولم يمنحوهم الفرص في التدريب والتطور.. ناهيك عن قلة المخصص لجهازهم ككل في ميزانية المنظمات التي لم تملك القناعة الكافية بعد لدعم جهاز هذا النشاط.. وما أريد قوله للمسؤولين في الجهات والمنظمات الإدارية: امنحوا الثقة لجهاز العلاقات العامة والإعلام عندكم، ادعموه بالكفاءات والإمكانات، واختاروا قبل ذلك مسؤولًا جديرًا بالإشراف عليه حتى يستطيع التأقلم مع التطور وسوف تبنون جهاز (وقاية) يحمي منظماتكم من الارتجالية والعشوائية في أداء النشاط، ويعطي الصورة الحقيقية لكم ولجمهوركم ليخلق الثقة ويحقق السمعة الطيبة القائمة على الفهم المتبادل بينكم وبين الجمهور، ويحافظ على الاتصال والتواصل المستمر وذلك هو المهم قبل الوقوع في الأزمات CRISIS والمشاكل ومن ثم التصحيح والعلاج وربما بشكل خاطئ كما نرى في التصريحات والدفاعات الإعلامية بعيدًا عن الموضوعية.. وأقول للعاملين في العلاقات: إن بناء هوية المنظمة يبدأ من بناء هوياتكم فمارسوا الشفافية مع أنفسكم وطوروها لتحسنوا بناء هويات منظماتكم وتكونون من مرآة صادقة للطرفين فأنتم مصدر الصورة الذهنية عند الآخرين عنكم وعن منظماتكم أمام الجمهور. دوحة الشعر... فانصت إلى الناس تعرف ما بداخلهم وراع العلاقات بالأرواح تتصلُ