«أدركت أنَّ الله كان قريباً دوماً منّي يوجّه حياتي ويخلق لي الظّروف والفرص كي أختار. ومع ذلك كان يترك لي مجال الاختيار في المسائل الحاسمة. تملّكني الخوف والرَّهبة عندما شعرت بالحبِّ والعطف الظَّاهرين، لا لأنَّا نستحق ذلك؛ ولكن لأنَّ هذا الحبّ والعطف كانا دوماً موجودين، وكلّ ما علينا عمله للحصول عليهما هو أنْ نعود إلى الله». حينما انتهيت من قراءة تلكم الكلمات من مقدمة كتاب (الصّراع من أجل الإيمان- 2005م)، للدكتور جفري لانغ عالم الرّياضيات الامريكي المعروف، الذي حكى فيه تجربته مع الإسلام تملكني شعور غريب حتى أحسست بقشعريرة تكتسحني؛ أما بداية القصّة كما يرويها د. جفري لانغ؛ فتقول: «كانت غرفة صغيرة ليس فيها أثاث عدا سجادة نموذجيّة، ألوانها الأساسيّة الأحمر والأبيض، كانت تغطّي أرض تلك الغرفة. ولم يكن هناك أيّ شيء من الزّينة على جدرانها الرَّمادية – البيضاء. وكانت هناك نافذة صغيرة مواجهة لنا أشبه بنوافذ القبو تملأ الغرفة بالنّور السّاطع. كنّا جميعاً في صفوف، وكنت أنا في الصّف الثّالث. وكنا جميعاً رجالاً من دون النساء جالسين على أقدامنا مواجهين للنافذة، كنت أشعر بالغربة إذ لم أكن أعرف أحداً منهم. وكنا ننحني على نحو منتظم ووجوهنا تقابل الأرض. وكان الجو هادئاً وساكناً، وكأنّ الأصوات جميعاً قد توقّفت. وسرعان ما كنا نعود للجلوس على أقدامنا. وعندما نظرت إلى الأمام أدركت أنّ شخصاً ما يَؤمنا، وكان بعيداً عني من جهة الشّمال، وفي الوسط تحت النافذة تماماً. كان يقف بمفرده وكنت ألمح على نحو بسيط ظهره، وكان يرتدي عباءة بيضاء طويلة، وعلى رأسه لفحة بيضاء عليها رسم أحمر». لم يكن ما يقوله جفري لانغ حقيقة واقعة؛ وإنَّما هي رؤيا تكرّرت عدّة مرات خلال عشرة أعوام كان قد رآها قبل إسلامه. يدخل جفري لانغ في الإسلام فتتحقّق الرؤيا بتفاصيلها؛ يقول:»الله أكبر، يُكبِّر غسان، فنجلس على أقدامنا مقتدين بغسّان، كنت أنا في الصّف الثّالث. الله أكبر، يُكبِّر غسان ثانية للسجود نسجد ثانية ووجوهنا ملامسة السّجادة الحمراء والبيضاء. كان الجوّ هادئاً وصامتاً وكأنَّ الأصوات أخمدت، ثمَّ جلسنا ثانية على أقدامنا.عندما نظرت أمامي كان بمقدوري أن أرى غسّان بعيداً عن يساري في الوسط تحت النّافذة التي كانت تملأ الغرفة بالنّور. كان وحده دون صف باعتباره إماماً، وكان يرتدي عباءة بيضاء طويلة، وكان معتماً بلفحة بيضاء ذات رسم أحمر. صرختُ في داخلي إنَّه الحلم، إنَّه الحلم ذاته! كنت قد نسيته تماماً. أمّا الآن فقد صُعقت وذعرتُ وتساءلت في نفسي: أأنا في حلم حقاً، وهل سأستيقظ؟ حاولت التّركيز على ما يجري لأرى إن كنت حقاً نائماً. سَرَتْ موجة من البرد في جسدي فجعلتني أرتجف. يا إلهي، إننَّي في الواقع. ثمَّ تلاشى البرد فيَّ وتبعه دفءٌ رقيق يُشعّ من الدّاخل، ففاضت عيني بالدّموع. التفتنا نحو اليمين ونحن نقول هذه الكلمات: «السّلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله». (...) جلستُ على السّجادة أتأمل الجدران الرّماديّة البيضاء محاولاً أن أجعل معنى من كلّ ذلك. إنّ الأحلام شيء غريب، وهناك الكثير مما نجهله عنها. ولكن مهما تكن الآلية المتحكّمة فإنّي من خلال حلمي هذا رأيت قِطعاً من حياتي قادتني إلى هذه الصّلاة لتصل إلى ذروتها في هذا السّجود».