بدأت المطولات في الشعر عندما عرف وانتشر شفويًّا، ففي مجال الفصحى بدأت في العصر الجاهلي وما تلاه، وفي العامية بدأت فيما يشبه العصر الجاهلي من حيث الظروف الاجتماعية، وفي كل منهما كانت القصيدة هي بطاقة الهوية والصحيفة والإذاعة والتلفزيون معًا، ولذلك كان الشاعر يجمع في قصيدته كل شيء، فقد كانت تضم المقدمة التي قد تكون بكاء على الأطلال أو غزل أو حمدًا لله وصلاة على النبي، وما إلى ذلك من الاستهلالات المعروفة، ثم تأتي قضية القصيدة التي قد تتشعب، وأخيرًا لابد من خاتمة، وحينها لم يكن يوجد من يقول بوجود حشو في القصيدة لأنها بالنسبة للمتلقي بمثابة التنقل بين عدة قنوات! في العصر الحديث اختصرت القصيدة، وصارت أقل بكثير بعدد الأبيات وتذهب للقضية مباشرة بلا مقدمات، لأسباب عدة منها مسايرة التقليد والشكل السائد وطبيعة تعامل المتلقي مع الشعر، وكثرة المنافسين على قلبه وفكره، فحتى المهمتين بالشعر لم تعد تستهويهم المطولات، وإن قرأوها أخذوا قليلاً ممّا يعجبهم، وأهملوا الكثير، وهذا الأمر لا يتوقف على الشعر مقروءًا، ولكن حتى المسموع منه لا يمكنه أن يشد انتباه المتلقي بكامله إن كان مطولاً. وعلى الرغم من أن هناك شعراء مطولات لا يزالون يكابرون ويتجاهلون هذا الأمر فإني أعتقد بأن حلول (تويتر) في عالم التواصل الاجتماعي ودخول الشعر والشعراء في محيطه هو أمر لم يتكفل بالقصيدة المطولة فقط، ولكن حتى المتوسطة، ذلك أن تويتر هو بشكل عام علامة عصرية اجتماعية من علامات عصر السرعة والاختصار الكيفي والكمي، ولا أظن بأنه يمكن بعدها العودة إلى عصر توفر الوقت والظروف وسعة البال لتستعرض فيه أي مطولات.. وإن أشير لتويتر هنا فإني لا أعني تحديدًا تلك ال140 التي لا يمكن تجاوزها، وقد لا تتعدى بيتين من الشعر العمودي، ولكني أعني أيضًا أن تويتر سوف يطبّع المتلقي على أن يتعامل مع الشعر مكثفًا مختصرًا بأقل الكلمات، وبالتالي فإن الشاعر الذي يريد الوصول لذلك المتلقي ونيل شيء من الحضور في اهتمامه الاستقرائي اليومي لابد أن يدرك أن ذلك المتلقي ليس عنده استعداد -إلاّ نادرًا- لأن يذهب إلى رابط المطولة الذي يوضع في التغريدة.. لذلك يلزمه أن لا يطولها وهي تغريدة.