من الصعب أن تحث القارئ على التطبع بصفة جرت العادة على أنها مذمومة، بل ومنهي عنها في الشرع أيضا، والحقيقة أن بعض الصفات تحمل جانبا آخر غير الجانب المظلم الذي طغى عليها وألبسها هذا القناع القبيح؛ الذي زهد البشر فيها ومقتوا كل من يتصف بها، ونظروا له بعين الاحتقار والسخرية. ولأن الأمور تؤخذ بمعطياتها، علينا ألا نُسلِّم بأن الصفات السيئة تؤدي غالبا لمدارك الزلل والخطيئة وإن كانت في الغالب كذلك. جميعنا يعلم قصة الخضر وموسى عليهما السلام، وكيف أن الخضر خرق السفينة في أول الأمر، ثم قتل الشاب وسفك دمه.. ثم أقام الجدار وأنهك جسده دون طلب مقابل، وهي تصرفات في ظاهرها مذمومة، حتى جاء التعليل لفعلها فإذا بها محمودة، لا يوفق لها سوى من اختصه الله، أو نبي مرسل. ألا تجيز لنا هذه القصة أن نراجع أنفسنا ونتخلص من بعض الأفكار التي تلبست عقولنا حول بعض أنواع الطبائع؟! ولننظر إلى الكذب مثلا، لولاه ما وقف الشاعر على الأطلال ومدح ناقته وتغزل في عشيقته التي شاهدها ترعى الغنم وهو مع ذلك حضري لا يعرف البادية. ولولاه ما خرجت الرواية ولا تنوعت القصص وحكايات أبطالها، بل ولم نعرف خيالا أبدا، والخيال سر الإبداع ومغذيه. حتى الغرور لا أراه قبيحا كله، بل يجعلك تتصور أنك نابغة زمانك، ويحثك ويشحذ همتك بأن تصبح كذلك، ويدفعك نحو الثقة المطلقة في النفس، وهذا سر النجاح في جميع الأمور. والكبر وهو أقبحها جميعا، يجعل صاحبه أنيق المظهر دائما، حريصا على صحبة الخاصة من المجتمع، مترفعا عن النقائص، منمق الحديث حد الإتقان، تحيط به رهبة وينفع جاهه إن بذله في الغالب. حين أقلب سير المشاهير من الكتاب والمثقفين، أجدهم وإن حاولوا إخفاء ذلك، معجبين في أنفسهم كثيرا، يرون أن الزمان غدر بهم، وإلا فهم يستحقون أكثر من ذلك، وكأني وقعت على سر نجاحهم، حتى إن عباس العقاد لما قال له الطبيب إن قلبك ضعيف، قال علمت أن هذا العقل لا يحمله قلب!! وتقرأ للمتنبي أبيات يصف فيها نفسه بالمغدور الذي خانه الجميع، ولم يأخذ حقه الذي خلق من أجله.. فتراه عزيزا يترفع عما يقع فيه أقرانه، ومن أجل هذا الغرور الذي يحمله اعتلى قمة الشعر وتربع عليه. إن كانت نظرتك لنفسك متواضعة، وما تكاد تشعر بشيء من الغرور، إلا أبطلته، فكيف حالك في أذهان الناس، وهم أقل خبرا عنك من نفسك؟!. إن الصفات والطبائع كالصدفة في البحر، مغلفة تكاد تخفي جوهرها، ولولا هذا الجوهر لباتت قشرة لا قيمة لها، فخذ الجوهر ودع القشرة لباغيها، لا أظن أن هنالك نابغة أو عبقريا إلا وقد وجد هذه الخلطة السحرية وعمل بها، رشة غرور على شوية تكبّر.! فوزي المعبدي – جدة