المراقب لتطورات الأزمة السورية المشتعلة منذ أكثر من عام لابد وأن يلاحظ أن النظامين غير العربيين الأقرب إلى دمشق من حيث علاقات الصداقة والتعاون، وهما تركيا وروسيا، اتخذتا موقفين متضاربين، ففي الوقت الذي قررت فيه أنقرة الوقوف إلى جانب انتفاضة الشعب السوري، والتنديد بسياسة الرئيس بشار الأسد في قمع شعبه التزامًا بمبادئها وسياستها في احترام إرادة الشعوب، وقيم العدل والحرية والمساواة، قدمت موسكو كافة مظاهر الدعم لهذا النظام الجائر، بما في ذلك استخدام الفيتو في مجلس الأمن للحيلولة دون صدور قرار إدانة يجرم الأسد على جرائمه ضد شعبه، وهو ما اعتبر بمثابة ضوء أخضر أمام النظام لمواصلة سياسات القمع والتنكيل، وكان المؤمل أن تتخذ روسيا بحكم علاقاتها الوطيدة مع دمشق موقفًا متوازنًا من خلال لعب دور الوسيط النزيه على الأقل، انطلاقًا من الدوافع الأخلاقية والإنسانية، واحترامًا لميثاق الأممالمتحدة المعني بالدرجة الأولى بصيانة حقوق الإنسان. بيد أن موسكو سعت، بدلاً من ذلك إلى اتخاذ مواقف متناقضة تحمل في محصلتها مؤشرات تؤكد على تورطها في الأزمة لدوافع تتجاوز مصالحها في توريد السلاح في سوريا، والنظر إلى ميناء طرطوس على أنه ميناء روسي في المياه الدافئة الشرق أوسطية. ففي الوقت الذي انتقد فيه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بشار الأسد، وحمله مسؤولية تأجيج الأوضاع بالمعالجات الخاطئة، وتجاهل النصائح الروسية، والادّعاء بأن بلاده تريد التعاون مع مجلس الأمن، والتصويت مؤخرًا على بيان مجلس الأمن بشأن مقترحات كوفي أنان الست لإنهاء الأزمة، نراه يصرح تصريحات على النقيض من ذلك، مثل اعتباره إغلاق دول مجلس التعاون الخليجية لسفاراتها في دمشق «يعود إلى أسباب غير مفهومة»، وقوله إنه: «إذا انهار النظام السوري الحالي، فإن بعض البلدان في المنطقة يرغبون في إقامة حكم السنة»، وهو ما يعني أن موسكو تنظر إلى ما يحدث في سوريا الآن على أنه حرب بين السنة والعلويين، وما يعني أيضًا صب المزيد من الزيت على نار الأزمة، وتوسيع دوائر الفتنة في المنطقة بما يضع أكثر من علامة استفهام حول أبعاد دور روسي جديد في المنطقة.