تناقضات القيم التي تطالع بها الولاياتالمتحدة العالم مع إشراقة كل شمس تصيب كل ذي لب بالدهشة و لا تدع مجالاً للمرء إلا أن يقول جازماً بأن تلك الدولة المنصبة نفسها حامية للقيم و الأخلاق العالمية تناقض أقوالها أفعالها في واقع الحال فهي قمة التناقض القيمي و المنتهى في النفاق السياسي إن جاز التعبير. ألم تقم الولاياتالمتحدة الدنيا و لم تقعدها في حربها على الإرهاب الذي تارة ما تعرفه بقتل المدنيين العزل لأسباب سياسية أو لمكاسب مادية و تارة ما تعرفه بكل شئ مخالف لسياسات واشنطن ... الخ ، و عندما قام جندي من جنودها الأسبوع الماضي تحت جنح الظلام الدامس باقتحام عدد من البيوت الأفغانية الآمنة و أعدم بدم بارد تسعة أطفال و أربع نساء و ثلاثة رجال هكذا أشراً و بطراً و دون مقدمات و لا استفزاز لم يسمّه الإعلام الأمريكي بالإرهابي بل اخترع له و تبعه في ذلك الإعلام الغربي عموماً لقباً عجيباً يبعد صفة الإرهاب عنه رغم ذاك العمل الإرهابي الهمجي الشنيع فأطلق عليه لقب الجندي الأمريكي المارق ، و كأن الإرهاب لا يكون أمريكياً و لا يكون مسيحياً أبداً بل هو حصر على كل ما هو عربي و إسلامي. و مما يزيد الطين بلّة و يصب الزيت على النار انتشار تفسير أمريكي لذلك القتل الإرهابي من قبل الجندي الأمريكي «المارق» ، و خلع قدر من الصبغة «الأخلاقية» من وجهة النظر الأمريكية على العملية الإرهابية وهي أن العملية الهمجية الشنيعة جاءت كردة فعل أمريكية على خلفية «العنف» الأفغاني في قضية حرق جنود أمريكيين نسخاً من المصحف الشريف في قاعدة باغرام الأمريكيةبأفغانستان منذ أسابيع و ما تلاها من ثورة عارمة للشعب الأفغاني المسلم و قيامه بالمظاهرات و الاحتجاجات المتواصلة ، و قيام الطالبان أو غيرها من المسلحين بقتل ستة من الجنود الأمريكيين انتقاماً لحرق نسخ القرآن الكريم. فإذا لم تكن هذه حرباً دوافعها عقائدية فكيف يمكن أن تكون.؟! و ثمة ما هو أسوأ ، فإن القريتين اللتين تمت فيهما المذبحة جنوب قندهار تقعان على مسافة 150 متراً فقط من إحدى القواعد العسكرية الأمريكية ، حيث خرج منها الجندي «المارق» مدججاً بالسلاح نظرياً دون أن يعلم بأمره أحد ، و لم يتحرك لأصوات وابل الرصاص من أسلحته أحدٌ لنجدة أولئك الشهداء العزل و لو من باب الاستجابة لخطر قريب يجب درؤه ، الأمر الذي يرقى لدرجة التواطؤ على الجريمة و الرضا عن فعلة منفذها ، حتى و إن كان الأمر على غير ذلك و كان المنفذ منفرداً فإن الممارسات الغربية في الحالات المشابهة تلقى القبض على الجناة المباشرين ، و تحمل المنظمات التي ينتمون إليها و جاءت بهم من أقاصي الأرض مسؤولية الجريمة. و بنفس المقياس فمن غير قوات الناتو العاملة بأفغانستان و الجيش الأمريكي و ما بعده الإدارة الأمريكية يتحمل جريرة القتل الإرهابي لأولئك الأبرياء. الإدارة الأمريكية و بدلاً من أن تخرج قواتها الغازية من أفغانستان على الفور أو حتى تصدق في نواياها بالخروج بنهاية 2014 حذرت مواطنيها من ردة فعل أفغانية بسبب القتل لتلبس على الناس بذلك من هو الجلاد و من هو الضحية. لا تزال الولاياتالمتحدةالأمريكية ، رغم تظاهرها بالتفوق الأخلاقي ، تفقد إضافة لفقدانها مكانتها الاقتصادية و هيبتها العسكرية مكانتها العالمية «الأخلاقية» بالعمليات الإرهابية التي يرتكبها جنودها كحادثة قتل المدنيين العزل الأخيرة في أفغانستان و أفعالها غير الأخلاقية التي ارتكبتها قواتها المسلحة كما في سجن أبو غريب و جوانتانامو ، حتى لن يبقى من صورتها الأخلاقية المزعومة و لا غلالة تستتر بها ، و يحل مكانها في العالم قوة أو قوى هي أجدر بالرمزية العالمية.