نشر موقع «ويكي ليكس» يوم الاثنين الماضي 5 أبريل 2010 م على الشبكة العنكبوتية و تلا الموقع تباعاً في ذلك العديد من الفضائيات العربية شريط فيديو، أكد الجيش الأمريكي على أصالته، يعود تاريخه لشهر يونيو 2007 م يظهر مشهداً عراقياً دامياً ألتقط من على متن طائرة هيليكوبتر أمريكية مقاتلة من طراز أباتشي يشتمل على قيام طاقم الطائرة بفتح النيران من الطائرة على جمع من المدنيين العراقيين بدم بارد و دون أي بادرة استفزاز أو أن يشكل ذلك التجمع المدني أدنى خطر على الطائرة أو على طاقمها كان من بينهم إعلاميون يعملون لصالح وكالة الأنباء رويترز، فقتلت 12 شخصاً منهم و جرحت طفلين، إنه القتل من أجل القتل أو ربما حتى استمتاع البعض بسفك الدم العربي المسلم دون عقاب و مساءلة حقيقية، المهم في الحادثة أنها لا تشكل حادثة معزولة بل حلقة من سلسلة طويلة من الحوادث المشابهة تتكرر بشكل يومي في العراق و سواه من دول العالم الإسلامي بدرجة أو أخرى و تمثل سياسة معتمدة من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية أساسها الاستخفاف المطلق بحياة الأبرياء من المدنيين من مواطني البلاد التي تغزوها ظلماً و عدوناً و تحتلها إمعاناً في الإفساد في الأرض، و ليت شعري ما الفرق بين الولاياتالمتحدةالأمريكية (دولة الحريات و حقوق الإنسان) و بين المنظمات الإرهابية في هذا الصدد سوى أن الولاياتالمتحدة تمتلك آلة قتل أكثر تطوراً تقنياً و أقدر على الفتك بأعداد أكبر من الناس، و إمكانيات أكثر تطوراً على توثيق جرائمها ضد الإنسانية. و بلغ الأمر بالولاياتالمتحدة و بقية قوات الناتو النّاعتين لأنفسهم ب ( قادة العالم «الحر» ) حدّ التمثيل بأجساد الضحايا من المدنيين في أفغانستان و سواها للتغطية على جرائمهم ضد الإنسانية بحق مواطني الدول التي تحتلها أمريكا، قامت القوات الأمريكية مثلاً و حسب تصريح رسمى لقوات الناتو و كذلك تصريح رئيس لجنة التحقيقات من وزارة الداخلية الأفغانية فقد قامت القوات الخاصة الأمريكية بقتل خمسة مواطنين أفغان من بينهم رجلان و ثلاث نساء أثنتان منهن كانتا حاملين و في مجموعهما كانت أمهات لستة عشر طفلاً بينما كانت ثالثتهما فتاة مراهقة في مقبل العمر، ثم قام أفراد القوة الأمريكية باستخراج الطلقات النارية من أجساد الضحايا الخمس و غسل مواضع الجراحات من أجسادهم و غسل مواضعها بالكحول في محاولة لتعمية الحقائق عن تحقيقات الطب الشرعي اللاحقة، الحادثة وقعت بقرية في جنوب شرق أفغانستان في شهر فبراير 2010 م، و غني عن القول بأن عملية استخراج الطلقات النارية من أجساد الضحايا ليست سوى محاولة يائسة لإخفاء الأدلة للتغطية على الجرائم ضد الإنسانية النكراء التي ارتكبتها القوات الأمريكية في حق أولئك النسوة المسلمات العزّل من كل سلاح. لم يجد قائد القوات الأمريكية بافغانستان الجنرال «ستانلي مايكريستل» بادي الأمر بداً من الاعتراف بصحة نتائج تحقيقات اللجنة الأفغانية عن قتل الأبرياء في تلك الحادثة و عن التمثيل بالجثث و استخراج الطلقات النارية من أجساد الضحايا، و أن زعم المتحدث الرسمي باسمه أنه لم تكن ثمة محاولة لإخفاء القتل، ثم ما لبث الجنرال أن نُكس على رأسه بالنسبة لصحة استنتاجات اللجنة الوزارية الأفغانية و أخذ التحقيق مسارا جديدا و تشكيل لجنة أطلسية للنظر في الحادثة نظراً ل «تضارب» الروايات، وهل يمكن أن تكون الروايات بين الضحايا و الجلادين إلاّ متضاربة؟. في حادثة أخرى أعتذرت رئيسة الوزراء الألمانية «أنجيلا ميركل» عن مقتل 6 من الشرطة الأفغانية كانوا يركبون سيارة مدنية استهدفتها دبابة ألمانية في بداية شهر أبريل الحالي تتبع نفس السياسة الأمريكية القائلة ( أرمِ أولاً و أجّل طرح الأسئلة لاحقاً)، و جاءت الحادثة كردّة فعل على مقتل ثلاثة جنود ألمان على يد مقاتلي طالبان خلال معركة بين الطرفين قبل الحادثة بأيام. تنمّ هذه الحوادث و إن بدت متفرقة و غير مترابطة في العراق و أفغانستان عن طبيعة او أهداف الحرب الأمريكية-الأطلسية في كلا البلدين و على العالم الإسلامي عموماً و أنها لا تمتّ – كما تزعم الإدارة الأمريكية و الحكومات الغربية المتورطة – إلى «حماية» المواطنين المحليين أو حتى حماية الشعب الأمريكي من الأعمال الإرهابية بصلة، بل إن هدفها هو تأكيد الهيمنة الأمريكية و الأطلسية على شعوب العالم الإسلامي و التي يمثل الكثير منها في بلدان ذات مواقع استراتيجية بالنسبة لبسط أمريكا نفوذها على مصادر الطاقة بالنسبة لأمريكا و الغرب عموماً، حتى و إن أستدعى ذلك مخالفة الولاياتالمتحدة على وجه الخصوص و العالم الغربي عموماً لكل القيم و الشعارات الإنسانية و تحوّل الجيوش الغربية إلى مجرد قتلة يمارسون سفك الدماء المسلمة الزكية في ذات الوقت الذي تعيب فيها قيام المنظمات الإرهابية بذلك، و ما أشد إنطباق قول الشاعر على هذا التناقض الصارخ : لا تنه عن خلق و تأتي مثله .... عار عليك إذا فعلت عظيم، و خير منه قوله تعالى في محكم التنزيل ( و من النّاس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا ويشهد الله على ما فى قلبه وهو ألدّ الخصام و إذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها و يهلك الحرث و النسل و الله لا يحب الفساد ). و ما انكشاف التدني الأخلاقي إلا خطوة متقدمة في خسران الحرب الأطلسية على الأمة الإسلامية. ولله عاقبة الأمور.