قبل ما يزيد قليلا عن المائتي عام قامت قوات الاحتلال الفرنسي باقتحام الجامع الأزهر بخيولهم وعاثوا فى المسجد فسادا وداسوا بخيولهم المصاحف التي كانت موجودة فى مكتبة الازهر ولم تمر شهور قليلة على تلك الفعلة الفرنسية إلا وكانت جيوش فرنسا تجر أذيال الخيبة وهي تغادر الأراضي المصرية دون رجعة ومنذ أقل من شهر قامت القوات الأمريكية التي تحتل أفغانستان بتكرار نفس الفعلة حيث قامت بحرق نسخ من القرآن الكريم في قلب قاعدة باجرام العسكرية الأمريكية. وبدأت القصة ليلة الثلاثاء 21/2/2012 حيث حرق جنود أمريكيون نسخا من القرآن في قاعدة «باغرام» في وسط أفغانستان بحجة أن السجناء يستخدمونها لتمرير رسائل إلى خارج السجن وفي الصباح عثر عمال النظافة الأفغان على الأوراق المحترقة وشاع الخبر بسرعة، فعمت تظاهرات الاحتجاج التي تحولت إلى مواجهات دامية وهجمات على كل مواقع الأجانب في أفغانستان والمدهش أن قائد قاعدة «باغرام» الذي وافق على إحراق نسخ من القرآن نسي أين يوجد وفي أي مجتمع يعمل، ثم إنه بحكم موقعه يفترض أن يكون علم بأن حوادث مشابهة وقعت سابقا في معسكر «غوانتنامو» وفي العراق وتسببت بردود فعل سيئة حتى أن مجرد إعلان القس الأمريكي تيري جونز عام 2010 دعوته إلى حرق المصحف أدت إلى سقوط عشرات القتلى خلال تظاهرات الاحتجاج في عدد من الدول المسلمة وفور تسرب الخبر شهدت أفغانستان مظاهرت وأعمال عنف أدت إلى مقتل ثلاثين أفغانيا إلى جانب ستة قتلى أمريكيين ما بث الرعب فى قلوب كل الأمريكيين العاملين فى أفغانستان ورغم اعتذار الرئيس الأمريكي باراك أوباما ومحاولة الزعم بأن الحرق حدث بطريقة خاطئة وغير مقصودة إلا أن الأحداث مازالت مشتعلة خاصة وأن الحدث ليس الأول من نوعه من جانب الأمريكيين تحديدا فقد سبقته حوادث مماثلة من قبل الكثير من المتطرفين الأمريكيين. وفى الوقت الذى قامت فيه الكثير من دول العالم ومعها المؤسسات الدولية وعلى رأسها الأممالمتحدة بإدانة الحدث فإن الإعلام العربي بدا وكأنه يتابع حدثا متكررًا فأبرز الغضب الذي اندلع في العالم الاسلامي وظل يرصد تنامي ضحايا هذا الغضب عاديا بعيدا عن تحليل تداعياته وأسبابه وكيفية مواجهته... «الرسالة» طرحت على عدد من العلماء والمفكرين سؤالًا يبحث عن حل لمواجهة تصاعد حدة الإساءات التى يتعرض لها الإسلام ودستوره القرآن الكريم فى الفترة الأخيرة... ضد الإسلام يؤكد د.نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية أن قيام بعض المتطرفين بحرق أوراق المصحف الشريف جزء لا يتجزأ من مخطط موضوع من قبل الكنائس الغربية لتغذية روح العداء في العالم عامة والغرب والولايات المتحدةالأمريكية بوجه خاص ضد الإسلام والمسلمين، وهذا المخطط المشبوه للأسف الشديد تقوده الكنيسة الأم في الفاتيكان منذ سنوات وتحديدًا منذ تصريحات بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر المعادية للإسلام دينا وأمة في عام 2005، وما تبعها من إبراز وجه الكنيسة الغربية المعادي للإسلام بدءًا من حملات تخويف الغرب والأمريكيين من الإسلام ووصولًا إلى الحديث الكنسي عن «أسلمة أوربا» وانتهاء بجريمة حرق القرآن الكريم في الذكرى العاشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 ثم حرق القرآن اليوم فى أفغانستان فى عقر دار المسلمين فالحرب اليوم أصبحت علانية وليست خفية ولكننا جهلنا هذه الحقيقة عن عمد. ويحذر د. واصل من إننا أمام ظاهرة تتنامى وتفرض عددًا من الملاحظات التي تؤكد أننا بصدد وضع شديد الخطورة، أولها أن الأمن العالمي يواجه تحديًا شرسًا قد يدفع في لحظة لأسباب ثقافية ودينية إلى فتنة دينية عالمية وربما إلى حرب طائفية ودولية ولا توجد مؤشرات على أن العالم الغربي يحاول أن يتجنبها بل إنه كل يوم يضع أطرًا نظريه تعضد احتمالاتها، وهو ما ظهر في هذه الجريمة الأخيرة والخطيرة التي قادها جنود من المفروض أنهم لديهم من الحنكة والضوابط التي تمنعهم من الإتيان بهذا الفعل والمفروض محاولين تجاهل حقائق القرآن الكريم التي تدعو للتسامح مع الآخر في كل وقت وحين، ويجب علينا كمسلمين في كل مكان أن نأخذ كافة الاحتياطات لردع هذه المخططات وما يأتي على شاكلتها حتى لا يتحول العالم إلى ساحة للحروب الدينية المدمرة، ويجب أن تكف الكنيسة عن هذا العبث العقائدي الذي تمارسه وتعود إلى دورها الحقيقي في تنمية روح التسامح الديني وشيوع روح الإخاء بين أهل الأديان كما تدعو إليها مبادئ هذه الأديان السماوية حتى يستعيد العالم توازنه وتعود روح السلام الإنساني للبشرية جمعاء. حكومتنا وحكوماتهم ويصف الدكتور محمود عزب ما حدث بأنه انعكاس لرؤية المواطن الغربي للإسلام ولدستوره القرآن الكريم وهي رؤية مبنية على الجهل والخزعبلات والافتراءات التي كان يفتريها رجال الكنيسة في القرون الوسطى على القرآن الكريم فكانوا يقولون: إن الإسلام انتشر بحد السيف، ويقولون: إن الرسول هو الذي كتب القرآن، وإنه نقله عن التوراة والإنجيل، فضلًا عن الاتهامات الفظيعة الأخرى ومنذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر والكنائس الغربية ومعها الكتاب المتطرفون يرددون تلك الخزعبلات والأكاذيب بل ووصل الأمر إلى تدريسها في الجامعات وهو ما أدى بالتالي إلى سيطرة الحنق والحقد تجاه القرآن فى نفوس الكثير من الشباب الغربيين ومنهم بالطبع الجنود الأمريكيون ومع تزايد حدة الكراهية للإسلام والمسلمين فى نفوس هؤلاء لم يجدوا وسيلة يعبرون بها عن كراهيتهم لنا إلا بهذه الفعلة النكراء التى يجب ألا تمر مرور الكرام. ويستطرد الدكتور عزب : لكن على الجانب الأخر فنحن لدينا للأسف الشديد عدم فهم لأزمة الإساءة وكيفية المعالجة والتعامل معها، فكلما حدث شيء في البلد نقول للحكومة: يا حكومة افعلي هذا أو ذاك فالحكومات فى الغرب ليس لها علاقة بالإساءات كذلك الحكومات ليس لها دور، وليست مدافعة عن الأديان وحتى فى حالة حرق القرآن فالجيش الأمريكي لم يحاول عقاب الجنود لأنه لا يملك ذلك لهذا فعلينا أن نعمل على وجود قانون يجرم تلك الإساءات حتى يكون ذلك القانون سيفا مسلطا على رقبة أى شخص يحاول المساس بمقدساتنا. العلاقات الإنسانية وحذرت الدكتورة عفاف النجار عميد كلية الدراسات الإسلامية بنات بالأزهر من العواقب الوخيمة المترتبة على حرق القرآن الكريم، مشيرة إلى أن هذا العمل فى حال استمر الصمت العالمى حياله سيشكل كارثة على العلاقات الإنسانية والتعايش والسلام بين البشر وسيثير مشاعر غاضبة في العالم الإسلامي لا يتوقع أحد نتائجها لأنها تسيء إلى القرآن الكريم المصدر الأول للتشريع الإسلامي والذي يؤمن به أكثر من مليار ونصف المليار مسلم في العالم، كما أن هذا العمل الإجرامي سيثير فتنة دينية كبرى. وتؤكد الدكتورة النجار على أن هذا العمل الإجرامي لن ينال من مكانة القرآن الكريم لأن الله عز وجل قد تكفل بحفظه فقال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) فالقرآن الكريم كتاب هداية للبشرية كلها إلي يوم القيامة ورغم ما فعله هؤلاء الجنود فإننا نؤكد أننا لن نرد الإساءة بالإساءة لأن التطاول على الديانات الأخرى أو أنبيائها، يتناقض تمامًا مع تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، حيث إن الدين الإسلامي يحترم جميع الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- ويدعو المسلمين للإيمان بهم جميعًا، وكذلك الإيمان بالكتب السماوية التي أنزلت عليهم ونحن فقط نطالب بسن قوانين تحمي المسلمين وعقيدتهم في الغرب، وتحرم الإساءة للأديان السماوية، وتكون رادعة لكل المسيئين، ولابد من اتخاذ إجراءات حاسمة وقانونية، ومحاسبة من يقومون بهذه الأعمال الإجرامية. هجمات تترية ويؤكد د. أحمد عمر هاشم عضو مجمع البحوث الإسلامية أن ما حرقه ومزقه المتطرفون الأمريكيون وغيرهم من المتطرفين في دول العالم الغربي، ليس القرآن الكريم لأن الكافر وفقًا لما جاء في كتاب الله فور أن يلمس المصحف تنزع البركة من آيات الله ويصبح مجرد حروف عادية، وأن حملة حرق المصاحف مع مرور ذكرى هجمات الحادي عشر من سبتمبر حملة ظالمة يرفضها العاقلون من أهل الاديان السماوية، قال تعالي «وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا» وعلى من كرهوا ديننا وأرادوا حرق قرآننا وألصقوا تهمة الإرهاب بالمسلمين مع العلم بإنه مهما حرقوا من مصاحف فهو محفوظ يحفظه رب العزة ولو عرفوا قيمته لما فعلوا. ويضيف ان القرآن نزل على النبي محمد صلى الله عليه وسلم باللغة العربية وقت كان العرب في اوج تألقهم فكانت تعقد اسواق ومنتديات للشعر والنثر ويتبارون في البلاغة والفصاحة ومع كل هذا تحداهم الله ان يأتوا بعشر سور من مثله فعجزوا فتحداهم أن يأتوا بسورة واحدة فعجزوا وهم اهل اللغة، ولكن ماذا نقول لمن خلت قلوبهم من الإيمان وخلت عقولهم من الفهم؟، وإن القرآن الكريم هو معجزة النبي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- الخالدة والذي قال فيه المولى «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» فقد تكفل الله بحفظه من التحريف والتبديل أو العبث حتى يرث الله الأرض ومن عليها فالقرآن كلام الله عز وجل والكلام صفة المتكلم فعظمة القرآن مستمدة من عظمة قائله وهو الله جل وعلا. ويدعو د. هاشم إلى الاستمساك بحبل الله والعمل وفق دستور الله ومنهج رسوله الكريم من أجل مواجهة الهجمات المتتالية عليهما وان يعلم العرب والمسلمون في كل مكان ان هذا الدستور السماوي هو الذي وحدنا وجمعنا، ويجب العمل على تصحيح الصورة وفهم الدين وعدم إتاحة الفرصة امام المتشددين الذين اوجدوا الفرصة للنيل من ديننا ورسولنا الكريم فلا بد من التمسك بحبل الله والاستمساك بكتابه العزيز والتأكد أنه ومهما حاول الآخرون في أي مكان النيل منه أو من الرسول فلن يستطيعوا، بل وبجهلهم يساعدوننا على التمسك أكثر بديننا بل والمساهمة في انتشاره من ثم أوصيكم ونفسي بتوريث القرآن لأولادكم فإذا تمسكتم بكتاب الله انتصرتم وجاءتكم الدنيا راكعة فهو صمام أمان الأمة. لن نصمت ويرى الدكتور أحمد المعصراوي رئيس لجنة المصحف فى مجمع البحوث الإسلامية أن حرق الجنود الأمريكيون للقرآن جاء بعد سلسلة طويلة من الإساءات التى يتعرض لها القرآن منذ فترة طويلة وهو ما يؤكد أن الغرب لا يكن للمسلمين إلا كل غل وبغضاء وكراهية و يدل على ما تحمله الحضارة الغربية الحمقاء من كره وغل لديننا الحنيف وعدم تقبل الآخر ولابد أن تتبنى وسائل الإعللام العربية والإسلامية حملة تؤكد لمن حرقوا المصحف أن القرآن الكريم التي امتدت له أيدي الجنود الأمريكيين الآثمة لتحرقه هو أعز على كل مسلم من نفسه وماله وأولاده، وهو على استعداد لأن يضحي من أجله بالحياة، ولا يمكن إقناع أي مسلم بتحكيم العقل إذا تم توجيه أية إهانة إلى القرآن الكريم، ولذلك فإن انفجار العنف وتعريض السلام العالمي للخطر تتحمل أمريكا وحدها المسؤولية الكاملة عنه. وكل مسلم يتعبد إلى الله بتلاوة القرآن الكريم فهو كلام الله الحق الذي أنزله على رسوله عن طريق أمين الوحي جبريل عليه السلام، وهو كتاب الله الذي تكفل وحده بحفظه فلم يستطع أحد ولن يستطيع أن يغير فيه حرفا. ,ويقول المعصراوى غاضبًا لن نصمت أبدا فى حال تعرض قرآننا للتشويه من قبل مجانين الغرب أيا كانت قوتهم وقدراتهم العسكرية. حرب صليبية ويرى الدكتور محمد رأفت عثمان عضو مجمع البحوث الإسلامية أن حرق المصحف بهذه الطريقة وعلى يد مجموعة من الجنود وفى قلب وحدة عسكرية من الممكن ان يثير حربا لا هوادة فيها لأن الكثيرين سينظرون إليه على أنه إعلان لتجديد الحرب الصليبية على الإسلام وتعبير عن مدى العداوة والبغضاء والحقد الدفين للإسلام والمسلمين، واصفًا التجرُّؤ على القرآن الكريم بأنه عنصريةٌ مقيتةٌ وتطرفٌ عصبيٌّ أعمى ولابد أن يعي الغرب جيدا أن التعدي على الشرائع السماوية يخالف ما نصَّت عليه القوانين والمواثيق الدولية التي تحرِّم وتنهى عن التطاول على الشرائع بأي شكل. وطالب الدكتور عثمان برد رسمي قويٍّ ضد الذين اعتدوا على القرآن الكريم، ومن قبل ذلك الإساءة إلى الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ مصداقًا لقوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ» «الأنفال: 6» مشيرا إلى أن أن حرق المصحف يفتح باب شرٍّ على البشرية جمعاء؛ بعدوان المتطرفين على الثوابت والشرائع السماوية، ومخالفاتهم للقوانين الدولية التي تحرِّم ازدراء الأديان، موضحًا أن الإسلام ينهى تمامًا عن الاعتداء على الكتب السماوية والرموز المقدسة، ويأمر باحترامها وصونها والدفاع عنها. خطاب إعلامى ومن جانبه يطالب الدكتور محمد أبو ليلة الرئيس الأسبق لقسم اللغة الإنجليزية بجامعة الأزهر بألا نهتم كثيرا بتلك الإساءات التى تريد شغلنا عن الاهتمام بمستقبل مجتمعاتنا. ويضيف: لابد أن نتبنى خطابا إعلاميا يؤكد للمتطرفين فى الغرب أن الإساءة لديننا لن تؤدي إلا إلى تمسكنا به أكثر وأكثر وليفعلوا ما يستطيعون فعله فمهما فعلوا لن يضروا الإسلام أو القرآن في شيءٍ وإنَّما سيزيدون المسلمين إيمانًا وثقةً بدينهم؛ لأن الله قد تكفَّل بحفظ كتابه ولكننا مطالبون فى الوقت نفسه بالعمل على مختلف المستويات لوقف هذا العدوان الشره على ديننا ولابد أن نعمل على استصدار قوانين دولية تجرم الإساءة للإسلام مثلما فعل الصهاينة عندما نجحوا فى استصدار قوانين تجرم مجرد التشكيك فى مذابح الهولوكوست التى ارتكبها النازي الألمانى فلماذا يكون هناك نظام عالَمِيّ يجرِّم معاداة السامية ويجرم التشكيك فى حادث تاريخى ولا يوجد نظام عالمي يجرِّم الإساءة إلى الأديان ف تعريض المقدسات للاستخفاف والاستهتار والرسوم البذيئة والصور القبيحة لابد أن يُوقَف بقانون دولي صارم.