ما يحدث في معظم الإعلام المصري منذ خلع الرئيس السابق حسني مبارك، هو شيء يصيب بالغثيان، بالإضافة إلى أنه لا يصدق. نفس الوجوه التي كانت تُسبِّح بحمد الرئيس المخلوع، وترشح ابنه جمال مبارك لخلافته، هي ذاتها التي تطل علينا من على شاشات العديد من القنوات المصرية لتتحدث باسم الثورة، وكأنهم كانوا من أبطالها، أو حتى مؤيديها أثناء اندلاع الانتفاضة الشعبية التي أدّت إلى سقوط الرئيس المخلوع! لو استمرت هذه الوجوه في الظهور على وسائل الإعلام لتدافع عن الرئيس المخلوع، وتواصل أداؤها الذي كان أقرب إلى المهمات الموكلة بالأجهزة الأمنية منها بتلك التي تدخل في صلب العمل الإعلامي، لأحسست بشيء من الاحترام لأولئك الذين صنعوا مجدهم وثرواتهم بسبب ولائهم المطلق للرئيس المخلوع. أمّا أن يخرج علينا هؤلاء، ويتحدثون عن الثورة من منطلق التعاطف والتأييد، فهو شيء يصيب المرء فعلاً بالقرف، ويدفعه إلى الإحساس باليأس، ويقوده إلى اعتزال مشاهدة برامج التلفزيون. ما يحدث على شاشات معظم القنوات الفضائية المصرية، وبعض القنوات العربية الأخرى، يؤكد أن ما حدث في مصر كان انتفاضة لم ترتقِ إلى مستوى الفعل الثوري الحقيقي، وأن سقوط الرئيس المخلوع لم يكن إلاّ محاولة لتبديل الأدوار، وإزاحة الكروت المحروقة من الطريق ليحل محلها بدائل تنتمي إلى نفس النظام. الثورة التي تنجح لا تستطيع أن تقود فترة انتقالية دون أن تجتث أزلام النظام البائد. وعملية الاجتثاث تحتاج إلى اعتماد الشرعية الثورية بدلاً من شرعية القانون حتى يتم تحقيق هذا الهدف الذي لا يمكن بدون تحقيقه رسم معالم النظام الجديد والإعداد لكتابة دستور يجسد غايات الثورة وفلسفتها. لو كان في مصر ثورة بالفعل لقامت السلطة الانتقالية بإغلاق جميع المحطات التي كانت تمارس دورًا مشبوهًا أثناء حكم الرئيس المخلوع. ولو كان في مصر ثورة حقًّا لألقي القبض على كل الوجوه التي لا زالت تمارس ظهورًا إعلاميًّا هو أشبه بالفساد الفكري. وفي هذه فإن الثورات لا تحتاج إلى الأدوات والقنوات القانونية التقليدية.. الثورات تفعل ذلك استنادًا إلى الشرعية الثورية التي تعد فوق كل القوانين أثناء المرحلة الانتقالية التي تعقب سقوط النظام السياسي. الثورة ليست مزحة، وليست محاولة ناعمة للتغيير. التاريخ كله لم يسجل حدوث ثورة واحدة غير راديكالية. الثورة عملية تغيير جذري وليست عملية إصلاح سياسي. [email protected]