لا شك عندي في أن ما يحدث في مصر الآن هو ثورة مضادة تستهدف سرقة الثورة التي قام بها الشعب وكان شعارها الأول: الشعب يريد إسقاط النظام. الثورة لم تنجح حتى هذه اللحظة إلا في تحقيق هدف واحد من أهدافها، وهو الإطاحة برأس النظام. أما ما عدا ذلك فلم يحدث شيء يستحق الذكر. على الصعيد الدستوري، لم تتم الاستجابة لمطالب الثورة في إسقاط الدستور القديم وصياغة دستور آخر بديل. وهو ما يحدث عادة في كل ثورة شعبية، حيث لم نقرأ في التاريخ كله عن ثورة أسست لواقع سياسي جديد بناء على دستور قديم حتى وإن تم تعديل بعض بنود هذا الدستور. فهذا ترقيع دستوري وليس تعديلًا دستوريًا، فالتعديل مهمة تقوم بها الأنظمة لا الثورات التي تكتسب ما يسمى بالشرعية الثورية التي لا تسقط حتى يتم الإعلان عن دستور جديد. على صعيد آخر، فإن الحكومة التي تم تعيينها من قبل النظام السابق الذي لم يعد يمتلك أية شرعية أو أية صفة اعتبارية، ما زالت تمارس أعمالها. وهذا شيء عجيب جدًا خصوصًا إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الوزارات السيادية جميعًا ما تزال في أيدي أشخاص ليسوا محسوبين على النظام السابق فقط، وإنما هم من رموز هذا النظام. ولعل الجميع يتذكر إجابة وزير الخارجية أحمد أبوالغيط عن سؤال وجهه له أحد الصحفيين قبل الخامس والعشرين من يناير، عن احتمال اندلاع ثورة شعبية في مصر على غرار الثورة التونسية، حيث أجاب السيد الوزير: (ده كلام فارغ). رموز النظام القديم ما تزال ممسكة بمفاصل الحياة الإعلامية هي الأخرى. فرؤساء تحرير الصحف القومية ما زالوا على رأس العمل، والقنوات الفضائية سواء الرسمية أو الخاصة ما زالت تدار من مكاتب المنفذين في عهد النظام السابق، إلى درجة أن إحدى هذه القنوات امتنعت عن الإعادة المقررة لحوار أجرته مع الكاتب والصحفي إبراهيم عيسى، امتثالًا لما يُقال بأنه أمر صدر من رئيس الوزراء أحمد شفيق لمالك القناة..! ألم نزل نعيش في العهد البائد..؟! لا أعتقد بأن الشعب المصري سيسمح لأحد بأن يسرق ثورته، وهو ما يجب أن يفهمه المجلس الأعلى للقوات المسلحة جيدًا. [email protected]