نصف القضايا التي تنظرها المحاكم، وتأخذ الكثير من وقت القضاة والناس، يمكن حلّها خارجها، وبأبسط الطرق وأسرعها. وكان الناس حتى وقت قريب ينأون بأنفسهم، ويعيبون خصوصًا نقل قضايا الطلاق والميراث إلى المحاكم، فيلجأون إلى أهل الكلمة المسموعة من رجال المجتمع للفصل فيها، وهناك آلاف الخلافات الصغيرة والكبيرة، الأسرية والتجارية تم حلّها عبر هذا الطريق، وبصورة خفية، وعلى حد العبارة الشائعة «لا مين شاف ولا مين دري». اختفت هذه الطريقة المجتمعية الجميلة، كغيرها من القيم التي كانت تسود حياتنا، بل إن البعض يتخذ من اللجوء للمحاكم وسيلة لإيذاء الخصم، وتعطيل مصالحه، وكان أحدهم يردد بلا حياء: لا أريد شيئًا إلاّ مرمطة الخصم، وكان هذا الخصم من أقرب الناس إلى صاحب هذا القول. والأكثر خسة ونذالة، السادي الذي يستخدم «حق المرمطة» في مواجهة مطلقته أم العيال. وهناك قضايا لا تزال قائمة منذ ربع قرن، مات أطرافها، ولم يتركوا لخلفائهم غير الحقد والكراهية.