رغم مأساوية الموقف، وإشكالية التعامل معه بما يستحق من فائق سرعة/ مهارة/ أمانة، وانسانية شاسعة العمق والطول والعرض، إلا أنه لا يلقى أدنى اهتمام. موقف مواجهة فقد عزيز في حادث سير، هو بحد ذاته مأساة، وتضاف إليه مأساة البحث عن وسيلة نقل للجثمان العزيز بكرامة وسرعة وإنسانية. نقل جثامين ضحايا الحوادث على الطرقات مشكلة واجهت أو واجهها الكثيرون منا إلا أنها لم تجد حلاً ولا اهتماماً كافياً من الجهات المسئولة، ومازالت ( الطاسة ضايعة) بين وزارة الصحة والهلال الأحمر وزادها ضياعاً مسئول الهلال الأحمر في برنامج ياهلا على قناة روتانا خليجية التي طرحت القضية بعد حادثة طالبات حائل. قال المسئول: إذا كان الحادث داخل المدن على الأمانات مسئولية توفير سيارات لنقل الموتى، وإذا كان على الطرقات فهي مسئولية تتوزع بين إدارة الطرق والشرطة، هكذا خرج الهلال الأحمر سالماً غانماً من المسئولية! حتى الموت، أصبح عبئاً مضاعفاً على المواطن، الذي ليس في أجندته رقم مسئول متنفذ يرسل له قافلة سيارات تحمل ميته ومعزيه إلى حيث يشاء! أما إذا كان الحادث مزدوج المأساوية، أي نتج عنه ضحايا ومصابون من أسرة واحدة، فلا يمكن وصف الحالة ولا رسمها بكلمات على رأي ( اللي إيده في الموية مو زي اللي ايده في النار) الجهات المسئولة.. الصحة/ الهلال الأحمر ( إللي إيدها في موية باردة/ ثلج) لولا ذلك لما تركت الجثامين ملقاة على الطريق دون توفير وسائل نقل تليق بكرامة الميت! كيف يمكن لمن يواجه جسد عزيز مسجى على الطريق أن يبحث عن الجهة المسؤولة عن نقل الموتى؟ وماذا يفعل إذا كان في طريق ما وتبرع أهل الخير بإبلاغ الهلال الأحمر ومضوا في طريقهم وقد أشغله مصابه؟ وماذا يفعل أهل ضحايا الحادث إذا كانوا في مدينة بعيدة ولا يملكون طائرة خاصة تنقلهم فورا حيث موقع الحادث هل يظل الجثمان ملقى على الطريق تنهشه الدواب؟ لم يكتف مسئول الهلال الأحمر بالتنصل عن مسئوليته بل طرح سؤالاً تعجيزياً على مقدم البرنامج علي العلياني وضيفه: إذا حمل الاسعاف جثماناً وهو في طريقه ووجد مصاباً في حادث على الطريق هل ينزل الجثمان ويحمل المصاب أم يترك المصاب على الطريق؟ ذكرني بمقال للصديقة العزيزة فريدة شطا بعنوان ( إسعاف رويكب) نشر في عكاظ بتاريخ 14/ 6/ 1427ه حول حادث مروري وقع لشابة في مكةالمكرمة امتلأ جسدها بالزجاج، وبعد وصول سيارة الاسعاف بعد ساعة من زمن وقوع الحادث وبدلا من التحرك سريعاً إلى أقرب مستشفى لإنقاذ المصابة ذهب لنقل مصاب من حادث آخر وطريق آخر! صديقتي تشرح معنى إسعاف رويكب على وزن سيارات النقل بالراكب بحيث تسمح هذه ( الرويكب) بتقسيم قيمة المشوار على أكثر من راكب، عندما كانت الامكانيات المادية متواضعة ولايملك معظم الناس سيارات في ذلك الوقت، هل إمكانيات الهلال الأحمر متواضعة لهذه الدرجة التي تضحي بها بحياة المصابين والاسعاف ينتقل من طريق إلى آخر لجمع المصابين في « رد واحد» على طريقة ( رويكب) زمان؟ لماذا لا يوفر الهلال الأحمر أعدادا كافية من سيارات الاسعاف بطواقمها المجهزة تجهيزاً تقنياً وطبياً وفنياً للتعامل مع الحوادث بسرعة ومهارة وإنسانية؟ قصص المآسي لا تحصى حول تأخر الإسعاف وأنبوبة أكسجين فارغة إن وجدت ونقص مريع في الأدوات الطبية أو عدم معرفة بالعناوين التي يجيد الوصول إليها سائقو مطاعم « ديلفري» بسرعة فائقة دون خطأ، لذلك أقترح على الهلال الأحمر الاستفادة من خبرة المطاعم في معرفة عناوين المنازل! لا يوجد منا إلا ولديه تجربة مريرة تعامل فيها مع هذا الجهاز الهلال الأحمر وعانى من بطء الاستجابة ورفض نقل الجثامين وتعريض حياة المصابين للخطر وعدم توفر كثير من المعدات الضرورية المتوفرة في الدول من حولنا، التي تبهرك آلية عمل سيارة الاسعاف فيها وحجمها وكيفية نقل المصابين والتعامل مع الحالات الحرجة بالتواصل مع المستشفى الذي يستنفر كل كوادره الطبية ليكون على باب المستشفى يستقبل الحالات لماذا لا تتوفر لدينا هذه الامكانيات؟ هل من قلة ؟ ليس القلة ولكنها الضمائر ! دولتنا الرشيدة أنفقت ومازالت تنفق المليارات من أجل المواطن، لكن للأسف لا يجد المواطن غير الاستهتار والاهمال حتى وهو يقتل على الطرقات لأنها غير آمنة ولأنها لا تناسب حركة التطور والزيادة السكانية ولأنها ولأنها ولأنها....! فلا أقل من إكرام جسده بعد موته بوسيلة نقل تليق بإنسانية الانسان!