تعدّ ظاهرة المواقع الالكترونية وخاصة تلك التي تعنى في إثارة القضايا الدينية الشغل الشاغل لدى شريحة واسعة من الناس، لكن أحدا لا يستطيع بطبيعة الحال أن يجزم عن مدى تأثيرها في إثارة القضايا الدينية، مع ما تحمله من هم ديني وتثقفي، مع ذلك تطل علينا مجموعة من الأسئلة لا تخرج عن من هو المسؤول عن مثل هذه المواقع ومن يقف خلفها؟، وهل هي عبارة عن جهود فردية أو مؤسسية؟، ومن يحمي المتصفح من الكم الهائل من المعلومات والمضامين التي تعرض عبر تلك المواقع؟، وكيف يستطيع القارئ أن يوازن بين الغث والسمين منها؟، ثم ما هو دور لجنة الإفتاء في ضبط هذه الظاهرة،؟، وهل ما يثار فيها من قضايا أخلاقية يدخل في دائرة الإفتاء أم لا؟، تساؤلات تطرحها « الرسالة» على عدد من الفقهاء والمفكرين والباحثين المهتمين في هذا المجال. بداية يقول الباحث في الشؤون الشرعية والقانونية الأستاذ محمد أمين، فإنّه يعتقد بأنّ المواقع الالكترونية التي تعنى بإثارة القضايا الدينية هي ترجع نتيجة محصلة جهود مؤسسية أو فردية منظمة، تمكن المتصفح من الإطلاع على مختلف القضايا الدينية المتعددة، مشيرًا بأنّ مثل هذه المواقع تتبع بطبيعة الحال رؤى فكرية مختلفة وتتخذ في غالبيتها الطابع المؤسسي، ويكون الهدف من وراء إنشائها هو الترويج لفكر أو توجه معين، وإذا أردت أن تقنع أحد ما بوجهة نظرك أو بقضية معينة فلابدّ أن تكون بطريقة دينية ويضفى عليها الطابع الإسلامي، مشددًا على وجود جهات عديدة تحاول استغلال الطابع الديني لترويج كثير من القضايا والرؤى الفكرية والتلبيس فيها على العامة، ومن هنا يبقى لزامًا على المتصفح العادي التحصين الثقافي والفكري، كما أنّه من الضروري أن يكون هناك جهات رقابية مستقلة على مستوى المؤسسات الدينية والفقهية الرسمية على وجه الخصوص مثل:هيئات ولجان الإفتاء والأوقاف، إضافة إلى تعزيز الجانب التوعوي في هذا المجال بين أفراد المجتمع، وتوجيههم نحو المواقع الدينية الموثوقة، وأن يكون لدوائر الإفتاء مواقع متخصصة توفر للمتصفحين احتياجاتهم وتجعلهم قادرين على التمييز بين الخبيث والطيب منها، وتكشف لهم عن المواقع الإلكترونية ذات التوجه الفكري السلبي، وتحاول في نفس الوقت اتخاذ الإجراءات القانونية ضد مثل هذه المواقع. لها تأثير واضح من جانبه يعتقد الناشط والخبير في الشؤون الإجتماعية الأستاذ عبد الرحمن زيد الأحمدي، بأنّ المواقع الإلكترونية وخصوصًا الدينية منها لها تأثير واضح سواءً على المطلع المسلم أو غير المسلم، وهذا يدخل ضمن أطار الجهود الفردية والمؤسسية، منوهًا على أنّه من الصعب أن تكون هناك رقابة على كل المواضيع في المواقع الإلكترونية في ظل الكم الهائل في هذه المواقع وتنوع موضوعاتها، حيث لا تستطيع لجنة الإفتاء على سبيل المثال متابعة كل المواقع او حمل الناس على قول معين، وأنّ ما يثار فيها من قضايا أخلاقية إذا كان يتعلق بحكم شرعي يدخل في دائرة الفتوى. تمثل اتجاهات مختلفة من جهته يرى الأستاذ المساعد في جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية الدكتور خالد الحايك، بأنّ المواقع الالكترونية بشكل عام تتمثل في ثلاثة اتجاهات: الأول: مواقع شخصية، والثاني: مواقع مؤسسية، والثالث: مواقع حزبية، موضحًا بأنّ النوع الأول منه يعدّ كثيرًا جدًا فأصبح كل طالب علم له صفحته الخاصة يدلي بدلوه في إثارة كثير من المواضيع الدينية، سواء من أجل تعليم الناس، أو إشاعة رأيه الشخصي من خلال صفحته، وهذه المواقع تتمثل في صفحة كل واحد إما على الفيسبوك، أو موقع شخصي «رسمي»، وأكثر هذه المواقع حقيقة الفائدة منها قليلة، وأما بخصوص المواقع المؤسسية فهي التابعة لبعض المؤسسات ويقوم عليها موظفون يقومون بطرح بعض القضايا التي تمثل اتجاه تلك المؤسسة، وهي تتقاطع مع النوع الثالث وهي المواقع الحزبية التي تروج لمعتقداتها وأفكارها، وتفترق عنها في أن هذه المواقع المؤسسية هي مواقع مكررة عن بعضها البعض، فما تجده هنا تجده هناك أو هناك، وحقيقة هذا فيه تبذير للأموال وتفتيت للجهود وإرهاق من يتابعون هذه المواقع، وكثير منها ليس فيه تميز بحيث يؤثر في الناس، مضيفًا بأنّه عندما ينطبع الموقع هذا أو ذاك بفكر معين أو محسوب على فئة معينة فإنّ الإعراض عنه يكون كبيرًا، وعندما يتعلق الأمر بحماية المتصفح فلا يحميه إلا رحمة ربّ العالمين، كون الشريحة العظمى من متصفحي المواقع الالكترونية من العوام، مما يجعله بالتأكيد وبحسب الحايك يؤثر فيهم تأثيرًا كبيرًا قد يؤدي أحيانًا إلى فقد الثقة بهذه المواقع لما يرى فيها من تناحر بين كثير منها أو بين المشايخ الذين ينتمون إلى هذه المواقع، أو قد يؤثر عليه بحيث تقنعه بأفكار هو لا يعرف حقيقتها، ودائمًا الذي يكون خاليًا من القضايا التي يقرأ عنها دون إرشاد فإن تأثره بها يكون كبيرًا جدًا، مؤكدًا على أهمية توعية الناس بشأن كثير من المواقع وإرشادهم إلى مواقع تعزز ثقتهم بها، لأنّ الإنسان إذا حصلت له ثقة في شيء فإنه يكون مطمئنًا فيأخذ ما فيه دون مناقشة من أجل تلك الثقة، مشددًا على أنّ إثارة القضايا الأخلاقية وتحديدًا «القضايا اللاأخلاقية»!! لا شك أنّه ينبغي على دوائر الإفتاء أن تصدر فتاوى في هذه المواقع وتوصي بحجبها. حيث أنّ حجبها يعدّ سهلًا وميسرًا في أي دولة من الدول. لا يدركون فقه الاختلاف وفي سياق متصل يؤكدّ الإعلامي في الإذاعة السعودية الأستاذ صالح العجرفي بأنّ المشكلة تكمن في هذه الظاهرة في أنّ المسئولين عن البرامج الدينية وبرامج الفتيا في هذه المواقع لا يدركون جيدًا فقه الاختلاف والفتيا، كما أنّ ما يطغى عليهم هو البحث عن المواضيع المثيرة للجدل طمعًا في الكسب على حساب ثوابت في الدين التي ينبغي عدم المساس بها أو تناولها، مشيرًا إلى أنّ مواقع الجدل والنقاش باتت مفتوحة, والذي يحمي الناس هو التوعية بكيفية التعامل معها، لأنّ فضاء الإنترنت من الصعب التحكم فيه، والدور المطلوب من المشايخ وطلبة العلم هو الحضور الجيد في وسائل الإعلام الجديد سواء كان ذلك من مواقع تواصل أو برامج محادثة، إضافة إلى محاولة تقريب الصورة للمتلقي قدر الإمكان، مع الأخذ بالاعتبار مستوى الفهم المختلف لدى المتلقين، حيث أنّه في الماضي كان الشيخ يخاطب شريحة محددة في المسجد أما الآن فالمقطع قد يشاهده من أناس في أقاصي الدنيا ليس لديهم من الفقه والعلم الشيء الكثير، وفيما يتعلق بالقضايا الأخلاقية والاجتماعية، فإنّ العجرفي يرى عدم إمكانية تصنيفها ضمن إطار الفتوى، لكن إذا ترتب عليها أحكام شرعية فالواجب توضيحها أو السكوت عنها، وترك المجال لأهل العلم والخبرة للحديث فيها. عدة أشكال من المواقع وعلى الصعيد نفسه يعتبر المفكر الإسلامي الدكتور عبدالله الحسيني، بأنّ هناك عدة أشكال من المواقع، من ضمنها مواقع تمثلها مجموعات بغض النظر عما تمثله هذه المجموعات أو من أي البلدان، لكن بينها شيء مشترك تلتقي عليه فكرة أو حالة تغيير أو وظائف مشتركة أو مناطق ومحافظات أو طلبة جامعات أو مؤسسات مدنية بينها قضايا مشتركة، مضيفًا بأنّ بعض هذه المجموعات يلتقي على الرياضة أو النكت الاجتماعية أو على حالة ثقافية لكن على ما يبدو أنّ أكثر الحالات التي تمثل مجموعات في وطنا العربي تمثل الجانب السياسي ولو بشكل سخرية أو رصد ومتابعة لسلوكيات الأنظمة وفضح هذه السلوكيات وخاصة في مرحلة الثورة وما بعد الثورة، مؤكدًا على أنّ هناك أيضًا مواقع فردية أو على مستوى العائلة الواحدة تختص بفكرة محددة ولها علاقة بالجانب الدعوي أو طرح فكر على مستوى الفرد نفسه ذكرًا كان أو أنثى، وتحمل عادة جانب واحد من الأمور التي يرغب أن يوصلها الفرد في اختصاصه الفردي أو على توجهاته. على المتصفح الفلترة وحول مدى حماية المتصفح من الكم الهائل من المعلومات والمضامين التي تعرض عبر تلك المواقع يرى الحسيني بأنّه لا يوجد حواجز لحماية الفرد، خصوصًا وأنّها تعرض كثير من المضامين والمواضيع الدينية المختلفة والتي تحمل تنوعًا كبيرا في الآراء، والفرد نفسه إما أن يكون قادرًا على فلترة الأمور المتعلقة بالأفكار الدينية، أو أنّه تابع لجهة ما ويتلقى منها فقط ولا يتلقى من غيرها، أو أنّه تابع لشيخ ما ويتلقى منه أو تابع لتيار ما يدافع عنه ويقاتل غيره من التيارات، مشيرًا إلى وجود أمثلة كثيرة ومتعددة وتتمثل الإجراءات العملية في ذلك من خلال الفرد نفسه لأننا في ظل فضاء حر يسمح للفرد بالتواجد والنشر أين ما يريد وكيفما يريد وبالتالي لا يمكن متابعة الفرد او المجموعة ولكن يمكن تحديد هوية ما أو صبغة ما له من خلال منظومة معينة، وبالتالي فإنّ محاولات المنع أو الحماية تقف عاجزة عن تقنين مثل هذه الظاهرة، في ظل وجود أساليب متعددة في الاختراق والتواصل الاجتماعي وتنوع أشكاله إضافة الى تطور الأداء العربي وأفراده في قدرات التعامل مع إجراءات الحماية والقدرة على الاختراق والتواصل العالمي والاستفادة من تجارب الغير. الغث والسمين وعن كيفية قدرة المتصفح على التمييز بين الغث والسمين منها، ودور لجان الإفتاء في ذلك يؤكدّ الحسيني بأنّ المشكلة تتمثل في أنّ الغث والسمين في الوقت الحالي له بوصلة محددة مرتبطة بواقع الأمة والأزمات التي تعانيها فعندما يطرح شيخ فتوى مثلًا في عدم جواز الخروج على النظام السوري فالكل سيعرف حتمًا بأنّها فتوى مدهونة بقرار أمني أو ملفوفة بأوراق الدينار والدولار، على أثر ذلك لا يمكن للفرد صغيرًا او كبيرًا أن يقتنع بمثل هذه الفتوى، معتبرًا بأنّ القضايا المتعلقة بالجانب الأخلاقي باتت واضحة لكل ذي لب وهي اليوم ليست بحاجة الى فتوى بقدر حاجتها الى المتابعة والتوجيه التربوي، حيث أنّ القضايا الأخلاقية باتت مدركة من الصغار أو الكبار ويعرفون حرمتها لكن حالات الضعف البشري تتمل بسبب غياب منظومة القيم ولتسهيلها من قبل بعض الأنظمة، ومع ذلك فإنّ هناك اتساع في مساحة الحصول عليها بكافة أشكال التكنولوجيا المرئية حتى باتت في متناول اليد وهي بحاجة الى المتابعة الشاملة والتوجيه والإرشاد التربوي، مشيرًا إلى أنّ الحديث في القضايا الأخلاقية بات أكثر من الفتاوى وذلك لأنّ الناس في هذه الأيام باتت تنظر للشيوخ والدعاة من ممارساتهم المتعلقة على أرض الواقع سواء من ناحية قدرتهم على إعطاء نظرة شمولية في المجالات المختلفة السياسية والثقافية والاجتماعية إضافة إلى الأخلاقية أو من علاقاتهم التنظيمية أو من تناقض ممارساته الفردية على المستوى الاجتماعي، وفي ضمن هذه الحالات سيحدد المتصفح مدى مصداقيته بهذا الداعية أو الشيخ فإما أن ينظر نظرة إيجابية أو نظرة سلبية ازدرائية. اختلاف لمشارب المواقع أما المحلل النفسي والمستشار في العلاقات الأسرية والمجتمعية الدكتور صالح أحمد، فإنّه يرى بأنّ الاختلاف في المشارب والمواقع يجعل الرأي ينطلق بلا عنان ولا ضوابط ولا رقابه، وجعل الجميع يتحدثون كما يتحدث الطرش إلاّ القليل من الأشخاص والمواقع، وهذا مما لاشك يؤدي إلى وجود الكثير من السلبيات، مشددًا على أهمية التعمق في مثل هذه الظاهرة وهذا يتطلب أجهزة غوص لأنّ التعميق والغور بعيد في هذا المجال، حيث أنّ هناك كثير من الأشخاص يعملون على استغلال نوايا الأمة النائمة والمستضعفة، إضافة إلى وجود شخصيات تسعى الى متابعة ما يعرض بين السطور في كثير من وهي أحيانًا أكثر من الجماهير في بعضها وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك. وحول القدرة على حماية المتصفح من الكم الهائل من المعلومات والمضامين التي تعرض عبر تلك المواقع يؤكدّ أحمد بأنّه من الصعب عبر الإنترنت حماية المتصفح، ولكن يجب على الجميع أن يقدم النصح ويشير الى الحق ويهدي الناس إليه وهذا ممكن ومتاح أمام الجميع، كما أنّه يتحتم على مستوى الفرد أن يكون متسلحًا بالمعرفة الكافية وتحديدًا من المنهل الصافي سواء على مستوى الهيئات الموجودة في الدول وتعمل فيها، لكن العاملين فيها أعدادهم غير كافية ولا يمكن أن تصل الى حد الكفاية حتى وإن كانوا يسعون إلى العمل في هذا المجال. عدة أمور متداخلة من جانبه يؤكدّ الباحث والأكاديمي الشرعي الدكتور أنس المصري بأنّ هناك عدة أمور متداخلة في مثل هذه الظاهرة، ولا شك أنّ وراءها مؤسسات على درجة كبيرة من التنسيق، منوهًا على أنّه ليس من المفترض أن يكون هناك جهات معينة لمراقبة المحتوى المعروض في المواقع خصوصًا مواقع التواصل الاجتماعي ك»الفيس بوك»، لأنّ الإنترنت يمثل ملتقىً واسعًا لا يمانع من خلاله بالترويج لأي فكر، ويبقى دور لجنة الإفتاء هو التوعية والتوجيه، ودور المتصفح، هو التقوى والحذر والإيجابية، مشيرًا إلى أنّ كل ما يثار يجب أن يكون تحت توجيه أحد من طلاب العلم، وبأنّ كثير من الأمور الدينية تدخل في الجانب الأخلاقي بشكل مباشر، وأما الأمور العامة تدخل تحت المراقبة فقط حتى يكون مجراها شرعيًا، والمهم أن يحرض المتصفح دومًا على أن يكون قائدًا لمن حوله، لا تابعًا لهم. ظاهرة ملحوظة من جهته يعتبر المستشار والمرشد الاجتماعي الأستاذ وضاح بن هادي بأنّ هذا الأمر يُعد ظاهرة ملحوظة وملموسة في واقعنا الالكتروني اليوم، خاصة في ظل هذا الانفتاح بل الانفلات الإعلامي عبر المواقع والمنتديات ووسائل التواصل الاجتماعي، وأيضًا في ظل الأسماء الوهمية والرموز المضللة مع غياب المسئولية، مضيفًا بأننا أصبحنا نشاهد الكلام في العلماء والطعن فيهم وفي نواياهم وتخطئتهم، وأصبحنا نرى الكلام ومناقشة الثوابت والقطعيات وأمهات مسائل الدين وقضايا الأمة من قبل الصغير والعامي وغير المتخصص والتي لو عرضت على عمر لجمع لها أهل بدر، منوهًا على أنّ حماية المتصفح من كثرة المضامين والكم الهائل من المعلومات عبر تلك المواقع يتمثل في توجيه الناس والعامة والقرب منهم ومعايشتهم وتذكيرهم بأن هذا العمل دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، وأيضًا تفرغ بعض طلبة العلم المؤصلين للمناقشة والرد على مثل تلك الأطروحات أو المناقشات أو الآراء الأحادية التي تظهر من هنا أو هناك وأيضًا النزول على مستوى الدعاة وطلبة العلم المؤثرين عبر مواقعهم وصفحاتهم على الفيس والتويتر واليوتيوب لتفنيد تلك الأطروحات والشبهات التي تثار من حين لآخر. قطع الطريق وحول قدرة كيف المتصفح التمييز بين الغث والسمين منها، ودور لجنة الإفتاء يرى بن هادي بأنّ الدور لا ينصب فقط على المؤسسات الدينية، فالرقع كبير، والجهد يحتاج إلى تضافر من الجميع كل في تخصصه وحسب إمكاناته وما حباه الله من قدرات، وإن كان هيئة الإفتاء أو غيرها من المؤسسات الدينية ينصب عليها الحمل الأكبر، وذلك من خلال معايشة واقع الأمة ومواكبة الأحداث والقضايا المسارعة حتى يقطعوا الطريق على الكثير من المتربصين، منوهًا على أنّ ما يثار في كثير من المواقع ليست قضايا أخلاقية فقط، وإن كا ما يثار من قضايا هو نشر للفاضح وكشف لما أمر الله بستره. نوعية ممتازة شاملة وفي نفس الإطار يؤكدّ الداعية والأكاديمي الإسلامي الدكتور حذيفة الخطيب، بأنّ نوعية المواقع الدينية صارت نوعية ممتازة، فلا يكاد مسلم يبحث عن شيء يهمه من أمور حياته إلا ويجد إجابة عنه في مواقع الإنترنت الدينية، فقد أصبحت تلك المواقع شاملة لكل مناحي الحياة التي يحتاجها المسلم وغير المسلم، موضحًا بأنّ العلماء والدعاة لا يقصرون في طرح المواضيع التي يحتاجها المسلم، كما أنّ أسئلة الناس واستفساراتهم تثري هذه المواقع وترتقي بها وتساهم في تطورها، الاختلاف رحمة ويضيف ويعدّ مجال التنوع المطروح في تلك المواقع بحسب الخطيب ثمرة طبيعية للاجتهاد شجع عليه الإسلام والاختلاف رحمة، مشيرًا إلى أنّه لدى الجمع بين الآراء على العامي أن يقرأ الآراء كلها، ثم يراجع مفتيه الذي يشترط فيه شرطان: العلم والورع، ويناقش مفتيه، ويطرح عليه الآراء والأدلة، ليخرج بما يناسبه ويوافق شرع الله، أما فيما يخصّ العامي فإنّ الخطيب يرى بأنّه يتبع رأي مفتيه الخاص الذي يختاره بناء على الشرطين السابقين، معتبرًا بأنّ الفتوى كما نعلم تتغير بتغير الأشخاص والأحوال والأزمان والأماكن، حيث يدخل جزء كبير منها ضمن القضايا الأخلاقية التي لها علاقة بالفتوى، وبعضها له علاقة بالورع والأخلاق السامية من مروءة وشهامة وكرامة. سبيل أمثل للدعوة وعلى الصعيد نفسه يؤكدّ الداعية الإسلامي الدكتور علي مقدادي، بأنّ هذه المواقع سبيل أمثل للدعوة الاسلامية من خلال نشر كلمة الخير وخاصة الفيديوهات التي يتم نشرها في مختلف المواقع، لأنّ الحديث مع الصورة أبلغ في الإقناع، مشيرًا إلى أنّه يستخدمها شخصيًا للرد على أصحاب الاعتقادات المنحرفة كفرق الشيعية، حيث أفلح كثيرًا على حسب قوله في هذا المجال، لأنّ الصوت مع الصورة أقوى أنباء من الكتب قائلًا: «ونحن دائما نقول بأنّ مثل هذه الوسائل الحديثة حكمها حكم ما تستخدم له فان استخدمت للخير كان خيرًا وإلاّ كانت الأخرى». مراقبة الله تعالى وحول حماية المتصفح من كثرة ما تعرضه المواقع من مضامين مختلفة يردّ مقدادي قائلًا: «استشعاره بمراقبة الله تعالى، فاستح من نظر الإله إليك وقل لها إنّ الذي خلق الظلام يراني»، مشددًا على أهمية أن يراسل المتصفح المشايخ والدعاة المتواجدين على مواقع التواصل الاجتماعي، وبأنّ كثيرًا من القضايا المعروضة عبر تلك المواقع تدخل كثيرًا منها في دائرة الفتوى، حيث أنّ كل إنسان ينتابه أمر من الأمور سواء أخلاقي أو غير أخلاقي، ولابدّ أن يسال عنه المرء فالجهل مرض ودواؤه العلم والسؤال سبيل من سبل العلم. فردية ومؤسسية من جانبه يرى الداعية الإسلامي الشيخ عبدالحيكم عطوي، بأنّ هناك جهودًا فردية ومؤسسية تحكم عمل مثل هذه المواقع الإلكترونية، مشيرًا إلى أنّ المتصفح يحمي نفسه من كثرة المضامين المعروضة فيها، فهو ليس بحاجة للحماية من أي جهة فكل إنسان يختار ما يعجبه، أما إذا استشكل عليه بعض الأمور فعليه أن يسأل أهل الذكر إن كان لا يعلم، لكن لا يوجد مانع من وجود مراقبة على المواقع من قبل مختصين لتبيان الصحيح من الضعيف من الموضوع والخطأ والصواب، حيث أنّ المهتمين يدركون تأثير مثل هذا الأمر وأهميته، مؤكدًا بأنّ كثيرًا من القضايا المعروضة في تلك المواقع يمكن لدور الإفتاء أن يعطي الحكم الشرعي في تلك المسائل، كما أنّ القضايا الدينية الأخلاقية المثارة فيها ربما تدخل بعضها في إطار الفتوى. الأحمد: المتصفح هو المسؤول عن نفسه ولا أحد غيره ومن جانب آخر يؤكدّ الأكاديمي والخبير الإعلامي الدكتور مالك الأحمد، بأنّ المصادر الإعلامية والإلكترونية لا يمكن حصرها في الوقت الحالي، والمواقع التي تعنى بالمجال الديني باتت كثيرة، فهناك مؤسسات راعية وقائمة على مثل هذا المجال وهي كثيرة مثل: موقع رسالة الإسلام والإسلام اليوم، ومنها كذلك جهود فردية محدودة تتخذ أنماطًا مختلفة، مشيرًا إلى أنّ تلك المواقع قد تكون مختصة في قضايا دينية بحتة، وقد يكون مجال اختصاصاها في الفتوى سواء المعنية باحتياجات الناس الإجتماعية والاقتصادية والأخلاقية وغيرها من المجالات المختلفة. ويرى المالك بأنّ المتصفح مسئول عن نفسه في تلقي المعلومة، ولا يمكن أن تكون هناك جهة مسئولة عنه، أو تعنى بمراقبة المضامين والمواد الموجودة في تلك المواقع، لأنّ هناك مئات الجهات الدينية والفكرية العديدة التي تملك الكثير من المواقع، وأغلبها مسجلة في شركات ومؤسسات استضافة للمواقع داخل الولاياتالمتحدة وبالتالي لا يمكن أن يكون هناك سلطة مباشرة على تلك المواقع، والمتصفح متاح له جميع الخيارات، وتبقى في هذه الحالة سلطة الرقيب الداخلي، منوهًا على أنّه لا يوجد طرف يستطيع أن يحدد المواقع الإيجابية والسلبية منها، إذ أنّه من الصعب وضع مقاييس واضحة للمواقع التي تعنى بالمجال الديني بكافة أشكالها الفقهية والفكرية وتحديد مدى إيجابيتها وسلبيتها، مؤكدًا على أنّه لا يوجد هناك أي جهة تلزم المتصفح برأي أو بتوجه فكري محدد، والإنترنت عبارة عن سوق كبير يتم عرض جميع المنتجات من خلاله، وكل شخص يختار من خلاله ما يريد، وبالتالي لا يمكن تخصيص جهة رقابية تنظم تلك المواقع، لكن وزارة الإعلام بوسعها عمل تراخيص لأجل تنظيم هذه الظاهرة في ظل الانفتاح على وسائل الإعلام وشبكة الإنترنت وتعدد الخيارات الإعلامية والإلكترونية أمام الناس، ولكن يبقى مثل هذا الأمر مجرد وسيلة لتنظيم الظاهرة وليس السيطرة على المضامين والتفاصيل الإعلامية. الثقة في المواقع ويضيف الأحمد قائلًا: «القضايا الأخلاقية التي تثار عبر تلك المواقع كثير منها موجود في تعاليم الدين الإسلامي، وأكثر القضايا في هذا المجال معروفة لدى الناس ومدركة ولا تحتاج إلى فتاوى، بعكس القضايا الشخصية، وفقه العبادات والمعاملات والتي تحتاج إلى فتوى من قبل أهل العلم وفيها تفاوت في المواقف»، منوهًا على أنّه وعبر المواقع الإلكترونية يمكن للشخص أن يتوجه بالسؤال للقائمين عليها وتقديم إجابة محددة له عن سؤاله، من دون معرفة ذلك الشخص من الذي أجابه عن سؤاله، لكنّه يعتمد على مدى ثقته بالموقع ومدى اقتناعه بالإجابة المقدمة له. رحموني: القضايا الدينية مثلها مثل السياسي والثقافي وجدت متنفسًا بعيدًا عن الرقابة من جهته يعتبر الأكاديمي والمفكر الإسلامي الدكتور محمد رحموني، بأنّ القضايا الدينية مثلها مثل القضايا السياسية والثقافية وجدت في الانترنت متنفسًا بعيدًا عن كل رقابة، ولذلك نجد فيها الغث والسمين ومنها ما يلعب دورًا إيجابيًا ومنها ما ينشر الفكر المتشدد والتكفيري. مشددً على أنّ الذي يحمي المتصفح من كثرة المضامين المعروضة هو ثقافته وقدرته على النقد، فعليه بتثقيف نفسه حتى لا يكون نعجة تساق وعليه بأهل الذكر إن عجز، منوهًا على أنّ هناك أشياء منطقية معقولة وهناك ترهات وتكفير وجهل، والفارق بين الغث والسمين واضح بحسب ما يرى رحموني، إذ أنّ الإفتاء مقبول إذا كان المفتي عالمًا ومتحررًا من السلطة السياسية، والدين شامل لكل نواحي الحياة ولا حياء في الدين، كما أنّ كثيرا من القضايا الأخلاقية المطروحة تدخل بطبيعة الحال ضمن إطار الفتوى، وعلى أثر ذلك يجب على كل مسلم أن يثقف نفسه ويدرس دينه ويجتهد فيه حتى لا يكون تحت رحمة الجهلة والمشعوذين.