أصابتني الدهشة وتملكني العجب وأنا اقرأ صبيحة الاثنين الماضي وعلى الصفحة الأولى في صحيفة الوطن عنوانا: "الصحة تلغي وتدمج نصف مستشفياتها". وفي الخبر أن وزارة الصحة تعتزم إلغاء ودمج 43% من مستشفياتها الموزعة في مختلف مدن ومناطق المملكة في غضون الأشهر القليلة المقبلة، لمواجهة الهدر المالي الناتج عن الأعباء التشغيلية في تلك المستشفيات. والحق أن المرء تنتابه موجة من الصداع عند قراءة مثل هذه الأخبار، فهي من جهة لا تتفق مطلقًا وواقعنا المعاش، والذي أجزم أنه لا يرقى لطموحات المواطن فضلًا عن المسؤول الذي يُعاين وبشكل يومي صورًا من صور المعاناة في مكتبه أو من خلال صفحات الصحف. وفي تناقض أوّلي لقرار الصحة نشرت صحيفة المدينة في عددها الصادر يوم الثلاثاء الماضي، (اليوم التالي لنشر الخبر المشار إليه في صحيفة الوطن)، صفحة كاملة (الصفحة 10) تنقل من خلالها معاناة المواطنين من الأوضاع الصحية وفي عدد من المناطق، ونقل تذمرهم من المراكز الصحية ونقص الكادر الطبي والزحام ونقص الأدوية... إلخ. ويبدو أن خبر إعلان هيئة مكافحة الفساد المتعلّق بسرقة الأدوية وبيعها في الشؤون الصحية في إحدى المحافظات قد ألقى بظلاله على الوزارة فكان قرارها لمواجهة الهدر المالي دمج وإلغاء بعض المستشفيات، وهنا نتساءل: كيف يمكن لنا أن نواجه الهدر المالي بشكل صحيح؟! لا أتصور أبدا أن إغلاق المستشفيات أو دمجها يمثل حلًا، على الأقل في الأوضاع الراهنة؛ فالمواطن في كثير من الأحيان لا يجد سريرًا في الطوارئ، وإذا ما استُقبِلَ ورأى الطبيب المعالج ضرورة تنويمه فإنه -في غالب الأحوال- لا يجد سريرا!. ومن التناقض أيضًا أن الوزارة لا تواكب التوسع العمراني والانتشار الأفقي للمناطق؛ فمستشفى يُبنى لمدينة عدد سكانها كان يقدر بنحو 350 ألفا، ويبقى صامدا بدون معين حتى بلغ عدد سكانها نحو مليون وثمانمائة ألف. وتناقض آخر يتمثل في الضرب صفحا عما تنشره منظمة الصحة العالمية والتي في تقاريرها الأخيرة أن كل ربع مليون نسمة بحاجة لمستشفى تخصصي، وبحساب بسيط فإن بلادنا تحتاج وفقا لذلك لقرابة ثمانين مستشفى، فأين خطط الوزارة من هذا؟! إنه في الوقت الذي تجتاح العالم أمراض مزمنة وأخرى مستعصية، وبات يُشيّد مراكز ومستشفيات متخصصة، وفي أوضاع غير مرضية تتمثل في النقص في الأجهزة الهامة (ولك أن تتصور أن المدينةالمنورة لا يتوفر فيها مركز أورام ولا علاج إشعاعي!)، يأتي قرار الوزارة على عكس ما يفترض! ومن المدهش أنه حتى عندما يتم إنشاء مركز فإنه ينتظر زمنا حتى يتم العمل به بكامل طاقته الاستيعابية، فيوم أمس الأول يُصرِّح مدير مركز القلب في المدينة أن المركز كان فكرة منذ عشرة أعوام وعندما تحققت تم إنشاؤه بسعة 130 سريرا ولكنه حاليا يعمل بطاقة ستين سريرا فقط! وقد نقل جوال منطقة المدينة خبرًا مفاده: إحجام شركات التأمين عن قبول التأمين الصحي للمواطن السعودي وأفراد أسرته، فبات الاكتواء بنار الأسعار في معظم المستشفيات الأهلية أمرًا متحتمًا لا مفر منه!، وبخاصة في ظل غياب وجود بعض التخصصات في المستشفيات الحكومية أو بُعد المواعيد فيها بشكل غير منطقي (وصلت بعض المواعيد نحو عام)! ليت الوزارة تنظر لمثل هذه الأوضاع، فمن المؤلم أنه ورد في طيات الخبر أن هذا الإجراء يأتي ضمن الخطة العشرية، وبودّي لو وضعت الوزارة خطتها لمدى أبعد من ذلك، ويبدو أن الوزارة لم تُنفِّذ الخطط السابقة بالشكل المطلوب، بدليل عدم إنشاء مستشفى جديد على مدى قرابة ثلاثين عامًا في بعض المدن على الرغم من اتساعها الأفقي المضطرد. إن المرجو أن تراجع الوزارة هذا التوجه، وأن تتلمس حاجة المجتمع، وذلك بعقد لقاءات مع عينات منه لتستمع لمطالبهم وشكواهم ومن ثم تبني خططها الاستراتيجية وفقا لذلك، فهل تحقق الوزارة الرجاء؟!