انتقد مختصون في المجال الصحي بالمملكة، سياسة توزيع الأَسرّة في المستشفياعت قائلين: «لا توجد عدالة في التوزيع بين المناطق، مما تسبب في تكدس الكثير من المراجعين، بل وأدى إلى تدني مستوى الخدمة». ومستشفيات المملكة التي بلغ عددها حتى مطلع العام الماضي (415)، بسعة بلغت (58126) سريراً، منها (249) مستشفى تابعة إلى وزارة الصحة بسعة (34370) سريراً، لا تتناسب مع الزيادة السكانية، حيث بلغ عدد السكان المواطنين قرابة (18.7) مليوناً، بينما الأجانب (8.1) ملايين، ويكمن التأخير في استحداث نقلة نوعية على المستوى الصحي في المملكة من حيث إنشاء المشروعات، إضافةً إلى تأخر تنفيذها، في أن العمل على تلك المشروعات يتم بنظام المراحل، حيث يرتبط بمدى توفر الميزانية المخصصة. ودعا المختصون إلى إيجاد إستراتيجية لمعالجة مشكلة نقص الأَسرّة، إضافةً إلى توزيع الخدمات الصحية على مناطق المملكة بدلاً من إنشاء المستشفيات الكبرى في بعض المناطق، مما يتسبب في تدني الخدمات المقدمة؛ بسبب كمية المراجعين وحجم المستشفيات الكبيرة التي تؤدي إلى خلل تنظيمي. «الرياض» تطرح الموضوع لمناقشته من جميع جوانبه فكان هذا التحقيق. المشكلة تتفاقم في البداية قال «د.محمد بن عبدالله الخازم» -أكاديمي متخصص في المجال الصحي-: إن المملكة بحاجة إلى زيادة عدد الأَسرّة، مضيفاً أننا نتفوق في عدد الأسرّة مقابل كل (100) ألف نسمة على دول مثل ماليزيا والكويت وإيران والإمارات العربية المتحدة، لكننا أقل من دول أخرى مثل الولاياتالمتحدة وبريطانيا، ونقترب في النسبة مع دول مثل قطر، مشيراً إلى أن المشكلة تتفاقم لدينا بسبب سوء التنظيم للقطاع الصحي، وكذلك عدم عدالة توزيع الأسرّة في المناطق، إلى جانب ضعف الإدارة الطبية، موضحاً أنه على سبيل المثال نجد أن عدد الأسرة بمنطقة جازان يبلغ (14) لكل مائة ألف نسمة، بينما يبلغ في منطقة الجوف (30) سريرا لكل مائة ألف نسمة، مبيناً أنه لا يوجد نظام رعاية صحية متكامل، حيث تغيب فاعلية نظام الرعاية الأولية، ويوجد تداخل وتكرار بين القطاعات الصحية الحكومية بدلاً من التكامل، ذاكراً أن كل ذلك إضافةً إلى ضعف الإدارة والممارسة الطبية في كيفية الإفادة من الأسرة المتاحة، يجعل قضية نقص الأسرة تزداد حدةً وتضخماً، مؤكداً على أن النقص يتضاعف أثرة بالهدر في استخدام الأسرة المتاحة. شكراً.. تحويل الحالات الطارئة إلى المستشفيات الخاصة إذا لم يتوفر لها سرير «عناية مركزة» شاغر نقطة جوهرية وأوضح «د.الخازم» أن الزيادة العددية دون تطوير النظام والإدارة والأداء، لن يكون له الأثر الملموس في جودة الأداء الصحي، وهذه نقطة جوهرية يجب التنبه لها، مضيفاً أن المدن الطبية التي أمر بإنشائها خادم الحرمين الشريفين ليس المأمول منها حل مشكلة الأسرة، بقدر ما هو تطوير الخدمات التخصصية المتقدمة، ومع تقديرنا لفكرة وأهمية المدن الطبية المعلن عنها، إلاّ أننا نرى أنها لم تبن على دراسات تخطيطية إستراتيجية واضحة ضمن هيكلة القطاع الصحي في المملكة، وعلى سبيل المثال أعتقد أن التوسع في مدينة الملك فهد الطبية ليس بالقرار الصائب؛ لأنه كان الأولى التوسع في مدن أخرى، كما أنه سيضر بالمدينة من الناحية التشغيلية في المستقبل، مشيراً إلى أن أي مؤسسة صحية كانت أو غير صحية يجب أن يكون لها حجم مثالي (Optimum level)، لتدار بشكل سليم، مؤكداً على أن زيادة الحجم يعقد مسألة إدارتها، كما أن النقص يُعد هدرا اقتصاديا، وللتوضيح فإن تدريس فصل دراسي فيه أربعة طلاب يُعد هدرا اقتصاديا، بينما التدريس في فصل به (40) طالبا يقود إلى ضعف الجودة، بينما يُعد تدريس فصل من (20) طالبا أمرا مقبولا وفعّالا، وهكذا المؤسسات الصحية فوجود مستشفى ب(50) أو (100) سرير في مدينة كبيرة يُعد هدرا، كما أن تجاوز المستشفى لحجم (800) سرير -على سبيل المثال- يقود إلى صعوبات تشغيلية، لافتاً إلى أن مدينة الملك فهد الطبية تتوسع في مكان محدود صمم في الأساس لحجم محدد من المنشآت والخدمات، وتتوسع في خدمات تقوم بها مستشفيات مجاورة لها. مواطن يتحدث إلى مسؤول في الصحة عن تدني مستوى الخدمات «إرشيف الرياض» بشكل متوازن وشدد «د.الخازم» على أهمية عدم ربط مكان البدء في إنشاء المدن الجديدة بالمناطق الأكثر احتياجاً للأسرة، فمنطقة الجوف كما سبق القول تملك أعلى معدل أسرة بالمملكة وتعادل ضعف عدد الأسرة لمنطقة جازان نسبة إلى السكان، وبالتالي كان الأولى البدء بمدينة طبية في جازان، إذا ما اعتبرنا أن الهدف هو زيادة عدد الأسرّة بشكل متوازن بين المناطق، وخدمة المناطق الأكثر احتياجاً، مبيناً أنه حتى لو جادل البعض أن المدينة الطبية الجديدة في الجوف ستخدم مناطق شمال المملكة، فإن تحديد أسس اختيار مواقع المستشفيات هو سهولة الوصول إليها، ومنطقة الجوف ليست المكان الأنسب لوصول السكان، حيث إن الوصول إلى الرياض أو عمان أو جدة بالنسبة لسكان الشمال، أسهل من الوصول إليها، بحكم توفر وسائل النقل لتلك المدن والإقامة وغيرها من العوامل، مبيناً أن مناطق المملكة بحاجة إلى مدن طبية أخرى لتقليص التوسع في المراكز الرئيسية والتخفيف على المواطنين من التنقل من منطقة إلى أخرى، ذاكراً أن المدن الطبية فكرة جميلة لكن تنفيذها يبنى على سياسة تخطيطية سطحية لم تراع تكامل الخدمات الصحية، بل ولم تراع الجوانب الاجتماعية والجغرافية والسكانية. ضبابية الرؤية وحمّل «د.مانع بن صالح اليامي» -أخصائي أول إدارة صحية وعضو معهد الدراسات الصحية- فريق العمل الفعلي لتطوير الخدمات الصحية ضبابية الرؤية للوزارة، ففي الواقع أن النمو الذي مر بالمملكة حتم التوسع في المستشفيات، ولا شك أن مرحلة النمو واستراتيجيات خطة التنمية الخمسية الثانية، أفرزت تحديات فرضت على الوزارة الاستعانة بجهات لها تجارب، لتستقطب كوادر صحية وإدارية محلياً وعالمياً، لتتحول وزارة الصحة من التشغيل الذاتي إلى التشغيل عن طريق الشركات تدريجياً وبمراحل معينة، مضيفاً أنه في الفترة الأخيرة عادت الوزارة إلى التشغيل الذاتي وتدريجياً لرؤية تبنتها، موضحاً أن تجربة التشغيل عن طريق الشركات قوّت عمود القطاع الخاص، بصفته شريك مهم وضروري للقطاع العام، بل وأضافت تجربة إيجابية ملموسة تمثلت في تنمية مهارات العاملين عطفاً على الإنتاجية والاختلاط المهني بكوادر إدارية عالمية، إلاّ أن زيادة عدد المستشفيات بشكل عشوائي لن يحل مشكلة نقص الأسرّة، وبالتالي لابد من وضع إستراتيجية واضحة للوزارة في شأن بناء المستشفيات في المناطق الأكثر جذباً، إلى جانب بناء مراكز صحية في المناطق البعيدة، مع توفير الأسرّة في المستشفيات القريبة للحد من التزاحم في المناطق الكبرى. قلّة الأسّرة في المستشفيات تزيد من معاناة المرضى تنفيذ على مراحل وأوضح «د.طارق السالم» -مدير عام الشؤون الصحية في المنطقة الشرقية- أن منطقة الشرقية تشهد نقلة نوعية كبيرة جداًّ في الخدمات الطبية التي تقدمها وزارة الصحة، ومنها استحداث العديد من المستشفيات الحديثة -تحت التنفيذ حالياً-، ومنها مستشفى الأمير محمد بن فهد العام لأمراض الدم الوراثية في القطيف، ومستشفى الخبر العام، وكذلك مستشفى الصحة النفسية في الخبر، ومستشفى بقيق العام الجديد، مشيراً إلى أن أسباب التأخر في تنفيذها يرجع إلى أن تلك المشروعات يجري العمل عليها على مراحل ويرتبط ذلك بمدى توفر الميزانية المخصصة لها، مؤكداً على أن عدد المستشفيات التابعة لوزارة الصحة بالمنطقة الشرقية عدا الأحساء وحفر الباطن تبلغ (19) مستشفى بإجمالي أسرة عددها (2744)، بينما إجمالي عدد الأسرّة بمستشفيات الوزارة في المملكة حسب آخر تقرير إحصائي عن عام 1431ه كان (34370) سريرا موزعة على (249) مستشفى وبمعدل (12.7) سريرا لكل (10) آلاف نسمة، ذاكراً أنه في الواقع وحينما يتم النظر لنسب الأشغال العامة للأسرّة حالياً، وكذلك المرافق الصحية التي تحت الإنشاء، فلا يوجد نقص في عدد الأسرّة العامة حالياً في المستشفيات التابعة للوزارة بالمنطقة، موكداً على أن هناك مشكلة نقص نسبية للأسرة النوعية كاسرة العناية المركزة للكبار أو العناية المركزة لحديثي الولادة، وذلك لطبيعة الاختصاصات النادرة في هذا المجال، مؤكداً على أنه في الفترة الماضية تم العمل على رفع عدد الأسرة النوعية المتاحة، وكذلك التجهيزات النوعية والمكانية اللازمة، إضافةً لكون تكلفتها في القطاع الخاص مرتفعة مما يجعل النسبة العظمى من الحالات تتجه إلى المستشفيات الحكومية للحصول على العلاج. أسرّة التخصصات النادرة من أصعب المشاكل التي تواجه وزارة الصحة دعم إضافي وأوضح أن هناك تنظيما معمولا به وضعته الوزارة يتم بموجبه تحويل أي حالة إلى المستشفيات الخاصة إذا كانت إسعافية طارئة ولا يتوفر لها سرير عناية مركزة شاغر بالمستشفيات الحكومية، كما خصصت الوزارة مؤخراً دعماً إضافياً جديداً موجها إلى تطوير الإمكانات في مجال الرعاية الطبية المركزة. وحول الخطط التوسعية المستقبلية قال: يتم العمل وفق المعايير المعتمدة لدى الوزارة من حيث حجم ونوعية الخدمات الصحية اللازمة في كل مرحلة، ويتم إدراجها ضمن الميزانيات السنوية والخطط السنوية، ولا شك أن من ضمن تلك المعايير هو التزايد الطبيعي لعدد السكان، وكذلك طبيعة الاحتياج النوعي من الخدمات الصحية الأولية والعامة والمتخصصة، مبيناً أنه قد تم خلال الفترة الماضية استحداث إدارة بمسمى «إدارة الأسرّة» والتي تعنى بالاستخدام الأمثل لأسرّة المستشفيات في الوزارة، وقد ساهمت بالفعل هذه الإدارة في توفير عدد كبير من أيام العلاج الإضافية، استفاد منها مرضى آخرون، وذلك من خلال وضع ضوابط ومعايير علمية دقيقة لتنويم المرضى، أو تبرير بقائهم في المستشفى، مشيراً إلى أنه من جملة الحلول التي تمت دراسة الإفادة من المستشفيات الطرفية لاستقبال الحالات الطبية طويلة الإقامة والمستقرة، إضافةً إلى إنشاء إدارات الطب المنزلي التي تختص برعاية الحالات التي يمكن خروجها إلى المنزل وتتم بمتابعتها دورياً من قبل فريق الطب المنزلي. د.محمد الخازم د.مانع اليامي د.طارق السالم