من أهم وأشهر معالم العاصمة الأمريكيةواشنطن نصبها التذكاري المواجه لمبنى الكونجرس والمرتفع في السماء 555 قدمًا أو 170 مترًا, وفي العام الماضي تعرض هذا النصب لتصدع كبير جرّاء الهزة الأرضية التي ضربت منطقة واشنطن وبلغت 8,5 على مقياس ريختر. ولأن التكلفة عالية، فقد جُمعت تبرعات لإصلاح التصدع، وتعهد أحد كبار المليونيرات بالتبرع بما يعادل كل الذي جُمع. وفعلاً فقد تم جمع 7 ملايين ونصف المليون دولار، ودفع المليونير دافيد روبينستاين ما وعد به ليصبح المجموع 15 مليون دولار. ومن قبلها تبرع المليونير نفسه لمكتبة الكونجرس، ولمركز كيندي، وللأرشيف الوطني وللمعهد السيموثاني. وهو باختصار يردد دائمًا: (لا أعتقد أن ثروتي ستُدفن معي، دعوني أستمتع بممارسة العطاء طالما أني على قيد الحياة!). متعة العطاء لا تعدلها متعة معنوية أو حسية، فهي من أعلى صور قهر الأنانية في النفس الأمارة بالسوء المنصاعة للشيطان الذي يعدنا الفقر ويغرينا بالإمساك خشية القلة ورغبة في ترك كل شيء للذرية من بعد، أو المنافسة على الدنيا مفاخرة بها ومكاثرة واستعلاء. هؤلاء الخواجات يعطون في حالات كثيرة بسخاء شديد مع أنهم يدفعون ما يقارب ربع مداخيلهم ضرائب للعم سام وفي كل عام. وفي بلادنا حالات مماثلة أعطت لأوقاف علمية وجامعية، ولمنشآت اجتماعية إنسانية وتنفق كل عام على مشاريع خيرية كثيرة كما تسد حاجة ألوف من الفقراء المستورين في مملكتنا. ولكن هؤلاء قلة للأسف الشديد، إذا الكثرة تتردد حتى في إخراج الزكاة التي هي عشر ما يدفعه المليونير الأمريكي من ضرائب. وكم من دراسة أثبتت أن إخراج الزكاة في مصارفها الشرعية سيقضي حتمًا على معظم صور الفقر المدقع وشقيقه المطلق . كيف يبخل هؤلاء الذين وُعدوا بجزاء في الآخرة أكبر وأعظم وأدوم في حين يعطي أولئك الذين لا يحسبون للآخرة حسابًا؟ إنها صورة من صور (التخلف) الإيماني و(الغبش) الأخلاقي الذي تُرجم بدوره إلى تخلف حضاري انعكس على كل مناحي التنافس العالمي في العلوم والتقنية وفي الصناعة وفي أبسط السلوكيات والممارسات. متى يا ترى نفيق!!