تحدثت في الحلقة الماضية من هذه الزاوية عن الضجة الإعلامية التي أحدثها قبول كونتيسة ويسكس البريطانية لبعض الهدايا الثمينة من بعض البلاد العربية التي قامت بزيارتها قبل عطلة رأس السنة الميلادية، ولقد استقرت في أذهان الكثير من الغربيين صورة نمطية ساهمت مدونات الرحالة الغربيين من أمثال تشارلز داوتي Doughty، وجون لويس بيركهارت، وسير ريتشارد بيرتون Burtan – وهذا الأخير من أكثر الرحالة الغربيين المتعاطفين مع الحياة الاجتماعية العربية وخصوصاً في مكةالمكرمة والمدينة المنورة. * نعم لقد ساهمت بعض تلك المدونات في تكريس صورة الفرد العربي الذي ينفق بسخاء لا حدود له ولا يمكن أن نطلب من الآخرين أن يتفهموا بواعث سلوكياتنا فردية كانت أو اجتماعية. * وتضمنت بعض مذكرات الساسة الغربيين شيئاً عن هذه الصورة النمطية المتصلة بالكرم العربي، فوزير الخزانة في حكومة مارجريت تاتشر – لفترتين متتاليتين 1983 – 1989م النائب نايجل لوسون Lawson، وهو من جذور يهودية، يذكر «لوسون» في مذكراته البالغة (1118) صفحة، أنه عاد من رحلته أثناء عمله وزيراً للطاقة من بعض البلاد العربية بشيء من شعور الإحباط وخصوصاً عندما اكتشف أنه من ضمن الهدايا المقدمة له إناء مطلي بالفضة مخصص لشرب القهوة، وأنه حسب تعبيره سلم هذه الهدايا للمسؤولين في وزارته ولكنه احتفظ بالهدية المقدمة له من بعض أصدقائه الحميمين الذين يصفهم بالمعرفة الموسوعية والدقيقة عن البترول، مشيراً إلى أنه هناك نظام محدد لقبول الهدايا وذلك حتى لا يتسرب شيء من الفساد لسلوك أعضاء الحكومة وهذا النظام ينص على أنه إذا كانت الهدية المقدمة في حدود 60 جنيهاً استرلينياً يمكن قبولها والاحتفاظ بها، وإذا كانت تزيد عن القيمة المحددة وحسب أسعار صرف الجنيه في حينه فهي تقدم حسب النظام للحكومة، ويحق له –أي للوزير- شراؤها بعد تقييم ثمنها، ولابد للقارئ العربي أن يسأل أليس هذا في الأصل سلوكاً إنسانياً فلقد ورد في الأثر الصحيح، ما معناه، فليجلس أحدكم في داره ولينظر أيُهدى له أم لا؟ لقد استفاد الغرب من هذا المعطى الإسلامي وطبقه.