لَطَالَما تساءلْتُ بيني وبين نفسي عن سرّ الجودة العالية والشهرة العالمية للساعات السويسرية، واحتلالها الدائم لعرش ((ملكة الساعات)) بلا منازع!. وكنتُ أجيب نفسي بأنّ السويسريين يستثمرون أموالهم بضخامة في صناعتها، غير أنّ الإحصائيات المالية أثبتت لي عكس ذلك!. هذا فضلاً عن القاعدة التي تقول أنّ الاستثمار الضخم.. هو ليس دائماً سرّ النجاح الصناعي، فبعض استثماراتنا الصناعية على سبيل المثال ضخمة جداً، ومع ذلك لم يُسجّل لنا التاريخ مُنتجاً صناعياً واحداً - فقط واحداً - يتلهّف عليه العالم مثلما يتلهّف على الساعات السويسرية، اللهم.. إلاّ البترول ومشتقّاته. أمّا الآن فقد عرفت السرّ، وأودّ إفشاءه لكم: إنه التعليم المهني في سويسرا الذي يُخَرِّج الأكفّاء، لا في صناعة الساعات فحسْب، بل في 400 مهنة غير جامعية، وبه استغنت سويسرا عن العُمّال الأجانب، وهو يبدأ في المرحلة الإبتدائية، عبر برامج اكتشاف مواهب محترفة، فإذا اكتشفوا موهبة في حِرْفَةٍ ما شجّعوها على متابعة دراستها العادية بموازاة إشراكها في تدريبات مهنية نظرية وميدانية، لتتخرّج بعد الثانوية بشهادتين: الثانوية والكفاءة المهنية، وتُخيّر بعد ذلك بين الالتحاق بالجامعة وبين العمل الحُرّ الذاتي أو في المصانع والشركات!. أمّا نحنُ فتتخرّج الموهبة من الثانوية وهي لا تعرف أصلاً أنها موهبة، وحتى لو عرفت فإنها إمّا تُقْمع في بيتها، أو تُخْذَل في صروح التعليم، أو الاثنين معاً!. متى يتطوّر تعليمنا المهني لإثراء سوق العمل؟ ومتى يُؤهّلنا للصناعات الثقيلة كما الساعات الخفيفة؟ هل سنحتاج ل 10000 يوم كشقيقه التعليم العام؟. لا أعلم، وأخشى ما أخشاه أن تزيد الأصفار واحداً أو أكثر!. تويتر: T_algashgari@