ليس عجيبا أن يكون لدولة بثقل وحجم تركيا مشروعها الخاص في المنطقة، وليس من العجيب أن يكون لدولة بحجم وثقل إيران مشروعها المقابل. العجيب فعلا هو ألا يكون للأمة العربية مشروع مبني على رؤية استراتيجية تنطلق من الرغبة في الدفاع عن مصالحها . المشكلة ليست مشكلة المشروع الإيراني أو المشروع التركي وحسب، فهاتان دولتان ذات ثقل إقليمي ومن الطبيعي جدا أن يكون لديهما مشاريع قومية خاصة في المنطقة الجغرافية التي يشتركان مع الأمة العربية في شغلها. المشكلة الحقيقية أن أمتنا تشغل حيزاً جغرافياً تلتقي وتتضارب فيه مصالح العالم كلها، ولذلك فقد كان من الطبيعي أن يكون لأميركا ودول حلف النيتو وروسيا والصين وقبل كل هؤلاء الكيان الصهيوني، مشاريعها الخاصة في المنطقة .. فأين هو مشروعنا القومي في مواجهة كل هذه المشاريع التي تتعامل مع أمتنا وفق منطق الاستقطاب والتي تطمح في تطويع دولنا لتكون أداة في مشاريعها الخاصة؟ كل ذلك يؤكد على أن إحياء مبدأ العمل العربي المشترك وبعث الروح في الأفكار المؤسسة له وعلى رأسها فكرة الأمن القومي ، هي ضرورة وليست مجرد ترف مستوحى من لغة سياسية تغلب عليها الشعارات كما يروج لذلك أعداء المشروع العربي الذي تم إجهاضه منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي. لقد بدأت علامات الفراغ السياسي والاستراتيجي الخطير الذي تعاني منه الأمة العربية في الظهور، منذ وقوع ما يسمى بأحداث أيلول الأسود في العام 1970 وما أعقبه من وفاة مفاجئة لجمال عبد الناصر. أما الكارثة التي أدت إلى موت المشروع العربي وتسببت في خلق حالة الفراغ شبه التام الذي تحاول كل من تركيا وإيران أن تملآه الآن، فقد تمثلت في إبرام نظام السادات معاهدة كامب ديفيد للسلام مع العدو الصهيوني وانسحاب مصر من الصف العربي مما أدى إلى نمو مساحة الرقعة في الثوب العربي، إلى أن وصلنا إلى مرحلة غزو الكويت . الجريمة والحماقة الكبرى التي ارتكبها نظام مغامر ومجرم كنظام صدام حسين في العام 1990 لم تكن إلا تجسيدا لسياق سياسي ابتدأت ملامحه في الظهور منذ بداية السبعينات التي بدأ يخفت فيها صوت المشروع العربي حتى تلاشى تماما. واستمرار غياب المشروع العربي قد يوقعنا فيما هو أعظم في قادم الأيام. يجب العمل على إعادة صياغة مشروع عربي جديد وإلا فإن وجودنا نفسه سيكون عرضة للخطر.