* يفترض فينا كأمة لها ماضٍ عريق وتتطلع لحاضر مشرف أن نعترف أن التصنيف كان قائماً بكثرة لافتة في مجتمعاتنا العربية - ولعلي أتحدث عن حقبة الثمانينات الهجرية - الستينات الميلادية - وهي الحقبة التي عايشناها وانعكست آثارها على شخصياتنا - في تلك الحقبة إذا لم تقدم نفسك نصيراً لتيار إسلامي معين، فأنت تقف على الضفة الأخرى، عروبياً أو قومياً أو اشتراكياً، وربما ماركسياً. * وقد مرت المجتمعات العربية بتجارب مريرة من جراء هذا التصنيف وكان على المثقف أو الكاتب أو المشتغل بحرفة الأدب أن يلاحظ وقع أقدامه فالدروب تحوطها الأشواك والأعين تترصدك في ذهابك ومجيئك، وربما من باب ضرب المثل فإنه من السهل عليك أن تقول إنك تقرأ بعض إنتاج الأديب والروائي نجيب محفوظ عوضاً أن تقول ومن باب السلامة أنك تحتفظ في مكتبتك المتواضعة بإحياء علوم الدين أو المنقذ من الضلال للإمام أبي قايد الغزالي أو الروح للإمام ابن القيم أو مدارج السالكين. * كان كل من اليمين أو اليسار متحصناً في بروجه مدافعاً عن رؤيته للحياة نافياً الرؤية الأخرى أو مشككا فيها أو واصماً إياها بما يتنافى مع أبسط أدبيات الفكر الإسلامي الذي تجسد كمثال عند الخليفة الراشد سيدنا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عندما سئل عن الخوارج، فلقد نفى عنهم تهمة الكفر والنفاق واصفاً إياهم بأنهم «إخواننا بغوا أو خرجوا علينا، وكما جسده أيضا سلوك إمام دار الهجرة مالك بن أنس - رحمه الله - عندما رفض دعوة الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بفرض آرائه التي أودعها سفره الفقهي الشهير- الموطأ- معللاً رفضه بأن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتوا في كل مصر وحاضرة بما يناسبهما من آراء فقهية. * اليوم تصعد بقوة التيارات الإسلامية في كثير من البلاد العربية لتتهيأ عن قريب وتدير شؤون المجتمعات التي أنهكها الفقر والظلم والطغيان. * تحتاج تبعاً لذلك لبرامج اقتصادية وسياسية سوف تضطر عند معالجتها للتعامل مع الغرب الذي طلبت عونه كما هو الشأن في ليبيا للتخلص من الظلم الذي جثم على صدرها لمدة تزيد عن أربعين عاماً، ويقصد زعيم النهضة- الغنوشي- الولاياتالمتحدةالأمريكية ليحاضر مطمئناً الغرب بأن الدولة في تونس سوف تكون مدنية ولم يسلم الآخرون من غمزه ولمزه - وفي مصر يستقبل الإخوان مسؤولاً أمريكياً رفيع المستوى ويعقدون معه اجتماعاً مغلقاً، ترى هل هي تباشير مستقبل واعد مع الآخر في الداخل والخارج؟ هل حقاً ودعنا مرحلة التصنيف؟! الله وحده أعلم.