لا يخفى على أحد فرحته وأنسه بالإجازة، ولا يختلف اثنان منا على أهميتها وفائدتها، ومناسبتها للفطرة الإنسانية؛ لأن الإنسان بطبعه يملّ ويتوقّف عن الإنتاج إذا كانت حياته تسير على روتين معتاد ونمط معين لا تجديد فيه ولا ترويح،كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَة)ً. ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وقال علي -رضي الله عنه-: (روّحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإنّ القلب إذا أكره عمي). وقال أيضًا: (إن هذه القلوب تملّ كما تملّ الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكمة). لذا كانت الحاجة للإجازة حاجة ملحّة، وضرورة جبلية وحياتية، وبابًا من أبواب الرقي والتقدّم نحو الأفضل. اهتمت بها البشرية من قديم الزمان، وموجودة لدى جميع أمم العالم منذ قديم الأيام. فالإجازة فرصة للترويح عن النفس، وتجديد النشاط. واستثمار الوقت في الأمور المفيدة التي لا تتاح للمرء فرصة ممارستها في أيام العمل والدراسة للانشغال. ولكن من المجرَّب الملحوظ أن الإجازة تتحول هي الأخرى إلى روتين ممل، وعبء ثقيل لا يطاق إن لم نُعمل فيها عقولنا ونستثمرها جيّدا من أجل إثراء أرواحنا وأنفسنا بما ينفعها وإن لم نفكر في الطريقة المثلى لقضائها، مما يحقق هدفها، إضافة إلى فوائد أخرى غير الترويح نجنيها إن خططنا لها. لذا كان التخطيط ضروريًّا ولا غنى عنه لقضاء الإجازة. ومع ذلك ما نزال نجد كثيرين يعدّون فترة الإجازة فترة للفوضى والسهر وتمضية الأوقات دون تحديد أهداف. فالأبناء والبنات يقضون اليوم كله متنقلين بين الأسواق أو مشاهدة القنوات والفضائيات المختلفة، ومنهم من يسخّر كل وقته لمواقع التواصل والشبكة العنكبوتية ، ومنهم من يتضجّر أيام الدراسة من الشعور بالملل .. ويتضجّر أيضا أيام الإجازة من الشعور ذاته . فهو لا يحسن التعامل مع الوقت والتخطيط له. والواقع أن أسبوعًا واحدًا من العيش بهذه الأنماط يعني: مللا لا يطاق، وسآمة قاتلة، وفراغًا مقيتًا، ثم لا تسل عما يصيب الأولاد والبيت أجمع من ضيق الصدر والطفش والزهق، وهكذا تتحول الإجازة لمرض نفسي واجتماعي عضال. ومن هنا آثرت أن أقف للحديث عن الإجازة التي هي مرحلة حرجة تمر بها أسرنا عمومًا، والشباب من الجنسين خصوصًا. فالشباب قوة أبدان، وصحة أجسام، ونضج غرائز، تجتمع هذه كلها مع فراغ وقت طويل، ووفرة في السيولة المالية لدى الكثير، يقول -صلى الله عليه وسلم-:(نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) رواه البخاري. وفي مثل هذه الحالات تشتد حاجة الشباب إلى آباء عقلاء، ومربين أمناء؛ لأن فيها يجتمع ثالوث الفساد والإفساد الذي عبر عنها الشاعر بقوله: إنَّ الشَّبَابَ والفَراغَ والجِدَهْ *** مَفْسَدَةٌ لِلْمَرْءِ أَيّ مَفْسَدَهْ إننا بحاجة إلى أن نعي حجم مشكلة الفراغ هذه الأيام؟! وأن نوعّي أنفسنا وغيرنا حول ذلك .. وحول مشكلة أخرى وهي مشكلة الجليس؟! يتسابق الآباء من أجل توفير أساليب الترفيه لأبنائهم. وينسون أن هناك سبلا للترفيه تسهم أيضا في بناء شخصياتهم وتكاملها. تحتاج إلى الاهتمام بها والتركيز عليها. فأيام الإجازة فرصة ثمينة لتنمية المهارات والهوايات، فرصة لمزيد من الإبداع فيما يحبه الشاب ويتشوق إليه ليختار هو بملء إرادته وحريته ما يسره و ينفعه، مع الترفيه والتسلية. وهي فرصة لاجتماع الأسرة .. وتبادل الحوار. إننا بحاجة لأن نغيّر مفاهيمنا تجاه قضاء الإجازات. فهل نعي ذلك .. ونهتم به !!؟