الاعتراف بالتقصير في عمل الإنسان «شجاعة»، وتحمل مسؤولياته وعدم التنصل منه يدل على الثقة بالنفس، والبعد عن البحث عن تبريرات هشة هو من قوة الشخصية، والظهور وإعلان التقصير والإفصاح بوضوح عن الأسباب الحقيقة دون تزييف أو رتوش يدل على تجذر الأمانة في القلب، والنتيجة الحتمية لمثل هذا الاعتراف بالقصور أن يحظى الشخص بمكانة مرموقة بين معارفه وكل المحيطين به، فهذه كلها أمور تجلب الاحترام والتقدير من الآخرين، وتفرض عليهم قبول الأسباب التي يذكرها ذلك الشخص. ومن ثم فالجميع يلتمسون له العذر ويصدقونه، لأنه كان صادقًا مع نفسه أولًا ومن يكون كذلك فالجميع يكنون له الاحترام والتقدير لشجاعته ومصداقيته وأمانته، وهذه من الأركان الرئيسة الهامة لجميع الوظائف العامة والخاصة أيضًا. وبتدقيق النظر وإجالة الفكر نجد أن من يعترف بالتقصير والخلل لابد أنه قد وقف مع نفسه وقفة صادقة، فتوصل إلى نتيجة مؤداها أن الصدق منجاة وأن حبال الكذب قصيرة ونهايته مخزية وأليمة، فلابد أن يكون على مستوى المسؤولية، علاوة على إيمانه بأن احترام عقول الناس ضرورة وواجب على المرء فلم يخاتل ويغالط ويلتمس الأعذار الخادعة والأسباب الكاذبة، لأنه بذلك يكون قد سعى إلى الاستخفاف بعقول الآخرين، فضحّى بهم على حساب المحافظة على نفسه وستر تقصيره، وهو ما يستجلب احتقار الآخرين له. وثقافة الاعتراف بالتقصير لا يؤمن ولا يعترف بها بعض المسؤولين بل وحتى على مستوى الأفراد، فبعد أن تتكشف الحقيقة ويظهر القصور فإنه يستمر في المغالطة لنفي الحقائق ويحاول الالتفاف بإظهار أعذار ومبررات، فيعيد أسباب القصور والخلل إلى أشياء غير صحيحة، فيظهر أمام الآخرين -علاوة على أنه غير مجد ومخلص في عمله- بأنه غير صادق أيضًا، فلم ينج من هذه ولم يسلم من تلك.! وفي تاريخنا الإداري الإسلامي أمثلة رائعة على الاعتراف بالتقصير، والعدول عن الرأي أو تصحيح العمل بما يليق إلى غير ذلك. والمجال لا يتسع لاستعراضها، وفي قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما أراد تحديد المهور ثم عدل عنها، فيُروى أنه قال: أصابت امرأة وأخطأ عمر، لأن المرأة استدلت على رأيها بالقرآن الكريم بينما عمر كان اجتهاده شخصي والفرق واضح بين من يستند على نص قرآني وبين من يعتمد على رؤية شخصية. بغض النظر عن المكانة والمنزلة فالمهم قوة السند. وكذلك عدوله رضي الله عنه عن عدم فرض العطاء للرضيع حينما علم أن الناس يفطمون أطفالهم قبل الأوان رغبة في الحصول على العطاء والشواهد كثيرة في هذا المجال. إن ثقافة الاعتراف بالقصور ليست نظريات تدرس أو تخرصات أو تسلية للتنفس بها، ولكنها مبادئ وسلوكيات وقيم يؤمن بها الأكفاء من الرجال الواثقين بالنفس، والقادرين على مواجهة الواقع، فهي بداية طريق التصحيح والسبيل الوحيد للنجاح، والأساس المتين لتلافي القصور، وضمانة لعدم الوقوع فيه مستقبلًا. والسؤال هنا كم نسبة المسؤولين في مختلف القطاعات الذين يعترفون بالتقصير ويعلنون للملأ أن هذا التقصير كان نتيجة لأخطائهم ولا يرمون بها غيرهم أو يستدعون أسباب غير صحيحة لتبرير ذلك التقصير، ومثل هذا العمل يؤدي إلى تعطيل مشاريع التنمية، والارتقاء بالوطن وإصلاح الخلل والقصور الذي يحدث في بعض الإدارات. إن تحقق النجاح في أجهزتنا الإدارية العامة والخاصة بل في حياتنا الذاتية يبدأ من نقطة تبني ثقافة الاعتراف بالتقصير متى حدث. وفي اعتقادي لو سادت هذه الثقافة بيننا وشاعت لما تعطلت مشاريع أو ظهرت بشكل ضعيف، ولما كانت البنية التحتية ضعيفة لا تتوازى مع حجم إنفاق الحكومة السخي. شهوان عبدالرحمن الزهراني - جدة