مَن منّا لم تتحرك مشاعره ولم يحترق قلبه ألمًا وحزنًا وعيناه تشاهد تلك الصور المأساوية التي تُظهر ذلك المعاق وقد احترق جسده بفعل المياه الساخنة التي أحرقت أجزاء متفرقة في جثته الهامدة!؟. نعم .. جثة هامدة بلا حراك ولا استجابة بصرخة أو استغاثة، فهذا المعاق مُصاب بشلل دماغي تام، عطفاً على إعاقته الجسدية، فهو في حكم الميت، إلا أن قلبه ما زال ينبض، لكن ذلك لم يشفع له في منع احتراق جثته دون هوادة!. بالطبع لا أتحدث عن رحمة البشر، فليس من المعقول أن تجد نفسًا سوية تستمتع بتعذيب معاق كهذا، وليس من المنطق أن نُفكِّر لحظة أن هناك نسبة بسيطة من نية التعمد من قبل العاملين في مركز التأهيل الذي يسكنه هذا المعاق، لكننا في الوقت نفسه نقولها بكل صراحة: إنه من المحال أن نَصِف ما حدث إلا بالإهمال. هذه هي الحقيقة التي لا جدال فيها، فالخطأ قد وقع، والتقصير قد حدث، ولكننا يجب أن نراجع أنفسنا بتروِ، عندها سنكتشف أننا قد نتمادى كثيراً بعواطفنا عندما نَصِف هذا المشهد بالتعذيب الوحشي والتصرف الهمجي، لأننا نتحدث عن عامل يباشر تنظيف ما يزيد عن 700 معاق يومياً، ثم بعد ذلك نتحدث عن الجريمة والعقاب!! أثناء زيارة الأستاذ خالد الزغيبي مدير مركز التأهيل الشامل بالمدينة المنورة لي بعد وعكتي الصحية في الأسبوع الماضي شاهدت الدموع تتحجّر في عينيه وهو يروي تلك الواقعة الأليمة التي هزت كيانه ووجدانه. هذا هو حس المسؤولية الذي يصدر من المسؤول قبل ولي أمر ذلك المعاق؛ في لقطة غريبة تتحدث عن أسرة لم تزر ابنها المعاق لسنوات، لكنها تهرول مُسرعة إلى ساحات الإعلام لتشكو خطأ قد حَدَث وتَصِفه بالجريمة، وما علمت هذه الأسرة أننا نتحدث في الحقيقة عن جريمة أكبر تتمثل في واقع مؤلم يحكي عن تبلُّد لا تعمُّد.