الحمد لله هلّت علينا ميزانية الخير التي كُلّنا أمل في الله ثم في ولاة أمرنا أن تكون سببًا في تَحسُّن أحوالنا المعيشية، فقد فتحوا -حفظهم الله- منافذ العطاء على مصراعيها، فشملت كل صغيرٍ وكبير من أمر المواطنين، فلو أن تلك المليارات المُعلنة أُدارت بحكمة من قِبَل الجهات المعنية لأصبحنا من أرقى وأغنى دول العالم. ولقد تفاءل الجميع خيرًا بذلك الرقم الفلكي (250 مليارًا) الذي خُصّص لبناء (500) ألف وحدة سكنية كبداية عملية للقضاء على مشكلة السكن التي غدت من أكبر مشكلات المجتمع، وهذه البداية هي انطلاقة خير، سوف تُؤتي أُكلها إن هي سارت في خط تصاعدي اضطرادي يتواكب مع الزيادة السكانية كل عام. وهو ما نأمله كي تُحلّ هذه المشكلة حلًا جذريًا، أما إذا سار الأمر في خط تنازلي أو خط الثبات، فإن حل المشكلة سيتحول إلى مشكلة، هذا أولًا، وثانيًا على الجهات المسؤولة أن تعلن لجميع المواطنين عن آلية توزيع هذه المساكن والمستحقين لها، على أن يكون مبدأ العدل هو الفيصل في الأمر، ونتمنى على هيئة مكافحة الفساد أن تكون لها يد وعين في هذا التوزيع، حتى لا يتكرّر ما هو حاصل الآن في بعض جامعاتنا التي لا تملك آلية مُقنعة في توزيع إسكانها على أعضاء هيئة التدريس. فالذي نراه بأم أعيننا ونسمعه بسماعات آذاننا أن أعضاء هيئة التدريس من الذكور هم من لهم الحظوة في الحصول على السكن الجامعي على الرغم من أنهم - ما شاء الله - قد مُنحوا أراضي بمقدار (2500 متر) لكل عضو، وحُرمت عضوات هيئة التدريس من ذلك دون تعليل مُقنع، وقد بُحَّ صوت قلمي وهو يتساءل عن هذا الوضع ولكن ما من مجيب..! أليس من المنطق أن تكون الأولوية في الإسكان الرمزي للعضوات اللواتي لم يحصلن على منح الأراضي؟ والأمر الذي يثير الاستغراب والدهشة أن بعض الجامعات ليس لديها إسكان جامعي خاص بها، ولكنها تقوم باستئجار مبانٍ سكنية بمبالغ ضخمة على حساب الجامعة، وتقوم بمنحها خفية بإيجار رمزي لبعض أصحاب المراكز القيادية الإدارية، أو من له علاقة وطيدة وحميمة ببعض المسؤولين في تلك الجامعات، وإن كان هناك بعض العضوات حصلن على تلك المساكن، فإمّا لموقعهن الإداري، أو لأن لها قريبًا لديه مكانة إدارية مرموقة!! ومما سبق يتضح أنه لا يوجد ضابط ولا معيار إلا ما ذكرت لك، بدليل أن باب هذا الأمر لا يعلم عنه جميع الأعضاء والعضوات، فيقومون بتقديم الطلبات ويأخذون حقوقهم، وإنما ترى الباب موصدًا ولا يُفتح إلا للبعض فقط!! أي أن أموال الجامعة تستفيد منها فئة معينة لا تخضع لمعيار عادل أو ضابط مفهوم وإذا سألت جاءتك الإجابة المطاطية بأن هذه السكنات تُمنح للمتميزين فقط، لكن ما ضابط هذا التميز؟ من وضعه؟ وعلى أي أساس وبأي حق يُمنح عضو هيئة تدريس سكنًا بأجر رمزي دون بقية زملائه، وفي مساكن مستأجرة بأموال تلك الجامعة التي تعتنق منطق أن يستفيد بعض الأعضاء خيرٌ من عدم استفادة الجميع، وهو منطق بعيد عن العدل الذي يقتضي أن يستفيد من له الحق في الاستفادة وفق ضوابط ومعايير تضمن الحقوق، وتنظر للجميع بعين العدل. هذا الوضع القائم جعل بعضهم يتملك السكن لسنوات وسنوات، ولا يتخلى عنه، حتى وإن تحسنت ظروفه التي يتشابه فيها معظم أعضاء الجامعة، لكن لوجود واسطة كان لتلك الظروف وزنها واعتبارها!! أضف أن بعضهم حتى يستفيد أطول وقت ممكن من هذا العرض السكني المميز، فإنه يترك سكنه الخاص، ويقوم بتأجيره، ويقطن في السكن الجامعي، بل إن بعضهم أخذ يورثه لأبنائه، فيأخذ السكن باسمه ويقطن فيه مدة من الزمن، ثم إذا انتقل لسكنٍ خاص يقوم بتزويج أحد أبنائه ويسكنه في السكن الجامعي، وإن من أعجب ما سمعت أن بعضهم قد حوّله إلى مشغل نسائي، كل ذلك لعدم وجود ضوابط ومعايير محددة وغياب الرقابة!! نعم أُكرِّر لماذا يستفيد البعض من أموال الجامعة، ولا يستفيد البعض الآخر، والجميع له ذات الحقوق؟ وإني لأهيب بهيئة مكافحة الفساد أن تولي مثل هذه القضايا اهتمامها، وكذلك هيئة حقوق الإنسان؟ فالمتظلمون كُثر، لكن ماذا يصنعون أمام المجاملة واستغلال المنصب؟ وفي نظري أن الحل الأفضل والأسلم هو صرف بدل سكن لأعضاء هيئة التدريس (إناثًا وذكورًا) حتى يتحقق العدل للجميع. لعل في هذا المثل الواقعي للتوزيع غير العادل للإسكان الذي يقوم على الواسطة، واستغلال النفوذ، إلى جانب عدم الرقابة، عبرة للقائمين على توزيع المساكن العامة مستقبلًا، بإيجاد آلية عادلة ومنصفة تضمن لكل مواطن حقه، والله من وراء القصد.