أطلقت الانتفاضات الشعبية في العام 2011، والتي شملت عددا من الدول العربية، العنان لتغيير كبت لفترة طويلة في عالم تجاوزته الديمقراطية، فالصفعة التي وجهتها الشرطية التونسية في المغرب العربي لبائع الخضروات محمد البوعزيزي والذي أضرم النيران في جسده احتجاجا على ذلك، كانت كفيلة لإطلاق إعصار بشري اقتلع عروش أنظمة بالشرق. وحصدت الثورة اليمنية قرابة الأربعة ألاف قتيل وضعفهم جرحى في معارك واشتباكات من الجانبين(السلطة والمعارضة)، فضلا عن الدمار الذي لحق بالبنى التحية للخدمات والممتلكات العامة والخاصة وما أحدثته من شرخ في النسيج الاجتماعي اليمني. 2011 ميدان ثورة اعتبر السياسي والمفكر اليمني محمد الصبري أن العام 2011 ميدان ثورة ولا يزال قائما، انخرط فيه ملايين اليمنيين من كل الفئات والشرائح. وأضاف: « اثبت الميدان الثوري جدارته، حيث افشل المحاولات الداخلية والخارجية التي سعت إلى تصويره على انه خلاف بين السلطة والمعارضة، حيث نجح في هدم النظام السياسي القديم وتحويله إلى ركام مؤذٍ للداخل والخارج، الأمر الذي فرض على القوى الإقليمية والدولية أن تسارع إلى الضغط من اجل عملية سياسية مؤقتة يجري فيها إزالة هذا الركام أو فتح طريق وسط عبر نقل السلطة بطريقة منظمة». والشابة اليمنية توكل كرمان الحائزة على جائزة نوبل للسلام هذا العام ومجموعة من الشباب، كانت قد استلهموا في 3 فبراير عام 2011م، يوم غضب مماثل للثورة المصرية المستوحاة من الثورة التونسية، فعمت المظاهرات والاحتجاجات أرجاء اليمن وأقيم نحو17 ساحة للاعتصامات في المدن اليمنية للمطالبة بإسقاط نظام الرئيس صالح، الذي يحكم اليمن منذ عام 1978م. يقول الصبري إن «ميدان الثورة» حقق في نهاية عام 2011 ثلاث نتائج هامة الأولى: إعادة صياغة واقع اليمن ووضع هذا البلد بما فيه أمام مرحلة جدية، والثانية: انتزع الاعتراف الإقليمي والدولي بمطالبها في التغيير والتجديد والإصلاح، والثالثة: أنها دفعت نحو إنتاج عملية سياسية مكونة من رئيس انتقالي وحكومة انتقالية وبرلمان انتقالي، مشيراً إلى انه من خلال هذه النتائج الثلاث، ستكون هي محاور الأحداث والتطورات في العام الجديد 2012م. الانتقال إلى التاريخ المعاصر في 2012 وبشأن رؤيته لما سيكون عليه حال اليمن في العام الجديد 2012 ، قال الصبري: «الخير بمفهومه الأوسع سيكون في عام 2012، وأن اليمن واليمنيين سينتقلون من وجودهم خارج التاريخ إلى وجودهم في التاريخ المعاصر». وأكد أن الثورة ستستمر بأشكال مختلفة، كما أن العملية السياسية ستشهد عددا من التحولات الهامة، إذا اقتربت من تحقيق آمال وتطلعات الثورة وستتجمد أن هي سارت بعكس ذلك. ووقع الرئيس اليمني على عبدالله صالح في 23 من نوفمبر الماضي بالرياض، المبادرة الخليجية والتي تقضي بنقل السلطة إلى نائبه منصور عبدربه هادي، لكن هذه التسوية السياسية لا تزال مخاوف انتكاسة لتلك التسوية قائمة في ظل انعدام الثقة بين طرفيها، خاصة بعد انضمام اندلاع ثورة أخرى تجري حالياً في المؤسسات الحكومية ومعسكرات الجيش؛ للمطالبة بإسقاط مسؤوليها واستمرار الاحتجاجات والتظاهرات الشوارع والساحات العامة، حيث يودع المعتصمون المعارضون عام 2011 بوصولهم إلى الجمعة رقم 46 منذ انطلاق الاحتجاجات في شهر فبراير، في الوقت الذي عاد الحزب الحاكم السابق الى تنظيم المسيرات لأنصاره بعد أن كان قد إلغاءها عقب توقيع صالح على المبادرة. وأشار السياسي محمد الصبري إلى أن العام 2012 ممكن أن يشهد أيضا محاولات أخيرة لمخلفات الأنظمة العربية التي أسقطتها الثورات. وقال: «لكن ما تحققه الثورة في اليمن لن تقتصر على مواجهات هذه المخلفات التي ستحاول التمسك بما تبقى لها من حضور واستخدام مواردها وقوتها المكتسبة من فسادها السابق. وأضاف: «اعتقد أن رياح التغيير والثورات العربية في عام 2012، هي من القوة بحيث أنها قادرة على توسيع حضورها في المناطق التي لا تزال بعيدة عن أعاصير الثورات العربية». وأكد انه من يعتقد انه سيلجأ إلى جبل يعصمه من الماء، لن يجد تلك الجبال التي تحميه من طوفان الثورة التي ستصل إلى كل جبل، ولن يجد الذين ظلموا عاصما من هذه الثورات العظيمة الممتدة من المغرب وحتى المشرق العربي. ويخشى اليمنيون بعدم نجاح الشركاء الجدد في العملية السياسية في التوافق في حكومة الوفاق الوطني، وتسير شؤون الحكم والسيطرة على البلاد مع نقل السلطة من الرئيس صالح إلى خلفه هادي وإعلان الأول بعد ان ظل أكثر من ثلاثة عقود في الحكم نجح خلالها في الاحتفاظ بتوازن بين مجموعة من المصالح المتناحرة، خاصة وان هناك قوى وتكتلات وجماعات كثيرة لم تدخل في تلك الشراكة الجارية في اليمن، كقوى الحراك الجنوبي الذي يدعو الى فك ارتباط جنوب اليمن بشماله. مشاركة الكل في الحكم وقال المحلل اليمني البارز عبد الغني الارياني إن نجاح الثورة في اليمن سيتوقف على قدرة حكام البلاد على وضع مسودة عقد اجتماعي جديد يعطي نصيبا للقبائل والفصائل المتباينة في البلاد. وأضاف: «إذا لم نسمح لكل جماعة بالحصول على حصتها، فإننا سنكون أفسدنا الأمور فعلا». وتابع: إن البلاد تواجه بالفعل حركة انفصالية في الجنوب وتمردا شيعيا في الشمال إلى جانب وجود تنظيم القاعدة مما قد يؤدي إلى تقسيم البلاد لمناطق شبه مستقلة تحكمها ميليشيات محلية خارج نطاق سيطرة الحكومة المركزية. من جهته، توقع وكيل نقابة الصحفيين والمحلل السياسي سعيد ثابت سعيد أن تمتد الثورات الشعبية في العام 2012 إلى أقطار إسلامية ولن تتوقف عند الدول العربية. عام الزلزال وترى رئيسة منتدى الشقائق العربي لحقوق الإنسان والناشطة الحقوقية أمل الباشا أن العام المنصرم، كان عام زلزال بالنسبة لليمن والوطن العربي عموماً، حيث تحطمت فيه الأصنام في أربع ديكتاتوريات عربية، وفي عام 2012، نتمنى أن يمتد الزلزال ليدك باقي الأصنام العربية. غير أن الكاتب مراد حسن بليم يقول إن العام 2011 سيظل عالقا في الذاكرة على الدوام كون الشعوب أنتجت به تلك اللحظات التاريخية التي قادت لفعل التغيير الثوري وأنتجت ثقافة غير تلك التي سادت وأخلاقيات غير تلك المهترئة التي جسدها الحكام على مدى عقود من الزمن وأشرق عهد جديد، عهد الشعوب الحرة كإشراقة الصباحات الجميلة. تدحرج رؤوس الثلج العربي وأشار حسن إلى أن العام المنصرم، شهد تحولات غيرت مجرى التاريخ وتدحرجت به الرؤوس الكبيرة كتدحرج كرة الثلج وسقطوا واحدا تلو الآخر وانفرطت من حولهم مراكز قواهم كانفراط حبات المسبحة ورحلوا مع كل مساوئهم وسيئاتهم إلى مزابل التاريخ تتبعهم لعنات شعوبهم ودعوات كل الذين ظلموهم ونكلوا بهم، ذهبوا إلى الجحيم وذهبت معهم أيام الحرمان التي فرضوها على شعوبهم، سنوات تخصصوا بها في إنتاج الخبث والمكر والتعذيب والمؤامرات ووسائل بقائهم على الكراسي المخضبة بدماء الأبرياء والمنتصبة على جماجم الضحايا، العام الذي انفجر به غضب الجماهير على امتداد الوطن العربي هادرا كريح عاتية اقتلعت في طريقها كل المطبات التي تعثرت بها دهرا وأزاحت كل الموانع التي منعتها من الوصول إلى بناء مجدها واستأصلت أسباب تغييبها القهري عن صناعة التاريخ وأنتجت أحرارا وحرائر خضبوا بدمهم القاني خارطة الوطن القادم.