مرّ أكثر من شهر على قضية (فاطمة) المواطنة التي تعرضت لعنف شديد متواصل من قبل زوجها.. ضرب بكل وسيلة بما فيه (مفك) حديدي ترك في جسدها آثاراً غائرة وكدمات هائلة حتى اضطر الأطباء إلى إجراء قسطرة في رقبتها لأن الأوردة الدموية غابت عن مواقعها بفضل (الرجولة) التي مارسها من يظن أن الجزاء لن يكون من جنس العمل. رحماك ربي فلا تؤاخذنا بما نحن فيه مستمرون! استمرارنا في حماية الجاني والبحث له عن مخارج وأعذار هي عاداتنا الظاهرة والباطنة، ولا بأس من توجيه شيء من اللوم إلى الضحية، ثم مطالبتها بالعفو والصفح حتى تكون (بنت رجال)، وإلا فالحِرمان من أطفالها ينتظرها، والمطالبة بدفع ثمن الخلع جاهز لإذلالها وقهرها. المطلوب من الضحية أن تستسلم لذكوريتنا المفرطة، فهي في النهاية من سقط المتاع، تُضرب ولا تعترض، وتُعنف ولا تصيح، وتُذل ولا تمانع. وليت هذا فحسب، بل يُفعل كل ذلك على مرأى من أبنائها وبناتها، وكأنما هي حفلة تكريم لا مراسم تعذيب، أو هو موقف بطولة لا ميدان نذالة وخسة وإهانة. ولو أن كل صاحب رأي أو حكم في هذه القضية وأشباهها نظر إليها من زاوية الأب الذي يرى ابنته في ذلك الموقف العصيب الذي انتهت إليه على يد من استؤمن عليها وعاهد على الحفاظ عليها.. لما وسعه كل ذلك التردد والتأخر وإعطاء الجاني الفرصة بعد الفرصة كي يفلت بجريمته الشنعاء وفعله المنكر. ثم ما أدرانا أن هذا الزوج وأمثاله كانوا يوماً من الأبناء الذين شهدوا حوادث مماثلة كانت فيها أمهاتهم ضحايا عنف بالغ وأذى فادح، سُكت عليه فزرع في قلوبهم وسلوكهم العنف نفسه. عاقبة السكوت على العنف تعم المجتمع، فيزداد عنفاً ويشتد ضراوة ويتراجع كثيراً في ميادين التحضر والتمدن والارتقاء بالإنسان سلوكاً وأخلاقاً واجتناباً لصور الظلم والبهتان والجور. وحتى عندما نحزم، فنصدر أحكاماً ضد هؤلاء الجبناء اللئام، فإننا نقع في ورطة التفاوت من حكم إلى آخر. والسبب بالطبع غياب التقنين الذي هو أساس العدل القائم على تسبيب واضح ومسطرة مستقيمة لا حيود فيها ولا ميل.