شهد عام 2011 أحداثًا جسامًا قد تغيّر من وجه الحياة في دول كثيرة في السنوات المقبلة، فقد كان عامًا استثنائيًا بكل المقاييس، أظهرت فيه شعوب العالم في الشرق الأوسط والولاياتالمتحدة وأوروبا قدرتها على التأثير في مجرى الأحداث بعدما أفسحت المجال طويلا لنخبها الحاكمة للسيطرة والتأثير على قلوب وعقول مجتمعاتها، ففي دول الربيع العربي انطلقت الشعوب لتعبّر عن سخطها من تردّى أوضاعها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وأطاحت بأنظمتها الحاكمة في مشاهد درامية شديدة التعبير، وفى أوروبا وأمريكا واستراليا احتشد الآلاف في الشوارع تعبيرا عن نفاد صبرهم من السياسات الرأسمالية المتوحشة ومطالبين بتحسين أوضاعهم الاقتصادية وخلق المزيد من فرص العمل. وازداد الخوف في هذا العام من تكرار شبح الأزمة المالية العالمية، وظهرت الأزمات الاقتصادية الطاحنة في أكثر من بلد، منها البرتغال وإسبانيا، وبلغت شدتها في دول أخرى كاليونان، فتغيرت السياسات والوجوه وانطلق الجميع لسياسات إنقاذ وطنية تحميهم من الانهيار الاقتصادي الشامل. وقد كان للشعوب مرة أخرى الدور الكبير اقتصاديا في صنع الأحداث، وهى التى أوجدت من خلال الاستفتاءات والتصويت كيانات تعبر عنهم وعن حاضرهم ومستقبلهم مثل انفصال دولة جنوب السودان. شهد بداية العام أحداثًا ملتهبة واستثنائية مثلت مفترق طرق بالنسبة للكثير من البلدان وخاصة العربية، فظلت المنطقة العربية تغلي بالاضطرابات والتحولات السياسية الحادة والتظاهرات التي امتدت لتشمل أعمال تخريب بثت الرعب والقلق في نفوس الناس. وكما عانت السياسة عانى الاقتصاد وهبطت معظم الأسواق المالية في المنطقة العربية وخاصة في داخل الدول العربية غير النفطية بشكل لم يسبق له مثيل وسط موجات من التشاؤم حول المستقبل الاقتصادي ومعدلات التنمية في العام الجديد. ثورة الياسمين أما الحدث الأبرز في شهر يناير فهو الاضطرابات السياسية التى حدثت في تونس في الأسبوعين الأولين من الشهر نتيجة لازدياد البطالة وكبت الحريات، وهى الاضطرابات والتظاهرات الحاشدة التي قامت على إثرها ثورة أطلق عليها ثورة الياسمين. قد انتحر الشاب العاطل عن العمل محمد بوعزيزي في تونس بعدما فشل في أن يجد وظيفة له في الحكومة ففجر شرارة الثورة في الرابع عشر من يناير ولفت أنظار العالم إلى المعدلات المرتفعة للبطالة في هذا البلد العربي للصغير والتي تعد من أعلى المعدلات في العالم العربي ووصلت إلى 14.5%، فلم يكن هناك توجيه سليم للموارد في ظل اتساع رقعة الفساد في المصالح الحكومية وتوجه استثمارات القطاع الخاص إلى المجالات التي لا تتطلب عمالة كثيفة فضلا عن توحش النظام البيروقراطي وبسط نفوذه على كل مجالات العمل الرسمية وغير الرسمية. وفى مرحلة ما قبل ثورة الياسمين في تونس ازداد الغضب والإحباط تدريجيا في المجتمع مع حرمان الناس من حقوقهم السياسية المتمثلة في الحرية والعدالة والشفافية وحرمان الكثيرين منهم من أمانهم الاقتصادي. وسرعان ما اعلن الرئيس السابق الرحيل في الرابع عشر من يناير بعدما فشل خطابه الذي وعد به بالمزيد من الإصلاحات في تهدئة الشعب التونسي. وقد تولى بعدها رئيس الوزراء محمد الغنوشي رئاسة البلاد، غير أن المجلس الدستوري التونسي عيّن فؤاد المبزع رئيسا مؤقتا للبلاد في الخامس عشر من يناير، ثم أعلن الغنوشي في السابع عشر من ذات الشهر تشكيله للحكومة الجديدة والتي لم يمض يوم واحد على توليها السلطة حتى استقال ثلاثة وزراء منها. وبلغت الأحداث ذروتها بفوز حزب النهضة الاسلامية ذي التوجه الإسلامي المعتدل في انتخابات المجلس التأسيسي في الرابع والعشرين من أكتوبر بنحو 41% من إجمالي الأصوات. الغضب يعصف بمبارك وامتدت التظاهرات إلى مصر، ففي الخامس والعشرين من شهر يناير انطلقت تظاهرات حاشدة أطلق عليها «يوم الغضب» للاحتجاج على تزوير الانتخابات البرلمانية وسوء الأحوال المعيشية وقلة فرص العمل وازدياد معدلات الفقر، وقد أخذت هذه التظاهرات التي توجهت في البداية إلى ميدان التحرير الشهير في قلب القاهرة منحنى أكثر خطورة عندما احتشد مئات الآلاف في القاهرة عقب صلاة الجمعة في الثامن والعشرين من نفس الشهر للاحتجاج على النظام والمطالبة بتغييره وتواصلت الاحتجاجات بشكل غير مسبوق في الأيام الأخيرة مما دفع الرئيس مبارك إلى القيام بعده إجراءات منها إقالة الحكومة وتشكيل حكومة جديدة برئاسة أحمد شفيق وزير الطيران المدني السابق، وتعيين عمر سليمان نائبا لرئيس الجمهورية وكذلك الاستجابة لطلب المعارضة بإجراء حوار معها. وقد عمدت ثورة الغضب في مصر في فترة عنفوانها إلى رفع مطالب فورية وأخرى في الفترة الانتقالية. وتضمنت المطالب الفورية ضرورة تنحى رئيس الجمهورية محمد حسني مبارك، وهو ما تم فعلا في الحادي عشر من فبراير، وإلغاء العمل بقانون الطوارئ، وإلغاء جهاز مباحث أمن الدولة وهو ما تم مؤخرا فاستبدل الجهاز بإدارة أخرى تسمى الأمن الوطني، وحل مَجلسي الشعب و الشورى وهو مطلب أساسي تم تلبيته، والإفراج عن كل المعتقلين منذ 25 يناير، وإنهاء حظر التجوّل لعودة الحياة الطبيعية في كل أنحاء البلاد، وإلغاء الحرس الجامعي، وإحالة المسؤولين عن استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين منذ 25 يناير، والمسؤولين عن أعمال البلطجة المنظمة التي تَلَت 28 يناير للتحقيق، وإقالة أنس الفقي وزير الإعلام السابق ووقف لهجة التخوين والتهديد في أجهزة الإعلام الحكومية ضد الثورة، ووقف إثارة الكراهية في الشوارع ضد الأجانب، وتعويض أصحاب المحلات عن خسائرهم أثناء حظر التجول. وقد تحقق الكثير من هذه المطالب ووعد المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإنهاء حالة الطوارئ قبل سبتمبر المقبل وهو موعد الانتخابات البرلمانية، كما تم تعديل 9 مواد في الدستور وافق المصريون على صياغتها في استفتاء عام تم في 19 مارس. كما ظهرت مطالبات تدعو للحق في إصدار الصحف بلا ترخيص مسبق، والقنوات التلفزيونية و الإذاعة والحق في تكوين الأحزاب وإنشاء النقابات والجمعيات بالإخطار، وتحقيق استقلال حقيقي للصحف القومية و الإذاعة و التلفزيون القوميين بكل ما يتطلبه ذلك من تشريعات و إعادة هيكلة لمؤسسات وهيئات و وزارات ووقف التحكم الأمني في الاتصالات والانترنت. وقد شهد العام محاكمات كثيرة وإدانات للكثير من رموز النظام في مصر ولعل ابرز هذه المحاكمات على الإطلاق محاكمة الرئيس السابق مبارك نفسه وهى المحاكمة التى بدأت في أغسطس الماضي ومستمرة حتى هذه اللحظة ويواجه فيها الرئيس السابق مع نجليه تُهمًا تتعلق بالفساد والتربح وإصدار الأوامر بقتل المتظاهرين أثناء الثورة. كما وافق المصريون في التاسع عشر من مارس على تعديل الدستور وأجريت المرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشعب في الثامن والعشرين من نوفمبر وتم السماح للمصريين بالخارج بالتصويت فيها لأول مرة وبدا من نتائج المرحلة الأولى للانتخابات أن حزب الحرية والعدالة ذا التوجه الإسلامي سيحصد مقاعد الأغلبية في البرلمان وفاز بنحو 40% من الأصوات في هذه المرحلة. القذافي ..الثورة الثالثة وانتفض الليبيون أيضا في السابع عشر من فبراير، وظهرت احتجاجات ومطالبات بإسقاط القذافى ونظامه لا يمكن وصفها «بالمفاجأة الكبيرة» بالنسبة للمحللين السياسيين على اعتبار تأثير ثورتي مصر وتونس الناجحتين جزئيا على محركات الأحداث في ذات الإقليم العربي، وعلى الجانب الآخر أيضا من الصعب الجزم بأن هذه الاحتجاجات كانت «متوقعة» عطفا على قبضة القذافى الحديدية على السلطة والسيطرة التامة على مقاليد الأمور في البلاد لأكثر من أربعين عاما متواصلة. وبين المفاجأة والتوقع كانت هذه الاحتجاجات الدامية والتي انطلقت من شرق البلاد هي الأسوأ على الإطلاق ، وقوبلت بردود أمنية عنيفة كان أبطالها فرق القناصة والأفارقة الذين تتهمهم المعارضة بالمرتزقة . ولعل من أبرز أسباب هذه الاحتجاجات بحسب المتظاهرين ما أسموه سياسات القذافى التعسفية و تمسكه بالسلطة ونهب الثروات و سوء البنية التحتية للدولة النفطية بالإضافة إلى ملفات فساد في الدولة. وفى الفترة الأولى من اندلاع الثورة في ليبيا أبدت العديد من الأوساط السياسية والإعلامية العالمية استياءها من طريقة التعامل العنيف مع المتظاهرين، ولكن سرعان ما تطورت الأمور سريعا، فسقطت عدد من المدن الليبية في أيدى المتظاهرين، واستخدم النظام الطائرات الحربية وفرق القناصة لقتل المتظاهرين بشكل أثار استياء العالم وظهرت صور ومقاطع على شاشات التلفاز العديد من الماسي ومظاهر الخراب والدمار في كل مكان، بينما قدم عدد كبير من السفراء الليبيين المعتمدين في الأممالمتحدة وعدد من الدول استقالاتهم احتجاجا على استخدام النظام الطائرات لقصف المتظاهرين من أبناء الشعب، وتحدثت أنباء عن رفض ضباط المشاركة في قصف المتظاهرين وانضمام بعضهم إلى التظاهرات وفرار البعض الآخر إلى مالطة وسط انقسامات عميقة بين قادة الجيش، وظهر القذافى لدقائق معدودة ليخبر الليبيين انه ما زال موجودا في ليبيا ولم يهرب إلى فنزويلا كما قيل، واختلطت الشائعات بالحقائق في ظل قطع السلطات الليبية جميع الاتصالات السلكية واللاسلكية عن البلاد. كما أعلنت جامعة الدول العربية والأممالمتحدة عن عقد اجتماعين طارئين لبحث الأوضاع المتفاقمة في ليبيا بعد اندلاع انتفاضة على نظام القذافي. ووسط الإغلاق التام من قبل السلطات الليبية لوسائل الاتصالات والانترنت وعزل الشعب الليبي عن العالم تساءل الكثيرون عن الدور الذي يلعبه الجنود الأفارقة في هذه الأحداث، فالبعض أكد ان النظام الليبي استغل هؤلاء ممن يطلق عليهم أصحاب القبعات الصفراء لقمع المتظاهرين، وهم بحسب المعلومات الأولية ينتمون لتشاد والسنغال وإفريقيا الوسطي وزيمبابوي وسيراليون. ولكن أرجع النظام نشاط القناصة الأفارقة من «المهاجرين» الى تشكيلهم مع مجموعات من البلطجية وأخرى ممن وصفهم بمدمني المخدرات وحبوب الهلوسة مهاجمة معسكرات الجيش والاستيلاء على الأسلحة والدبابات. ووسط عمليات الكر والفر بين الثوار وكتائب القذافى كانت اللحظة الفارقة هى سقوط طرابلس معقل النظام في الحادي والعشرين من شهر أغسطس، ليعلن سقوط النظام رسميا وفى العشرين من أكتوبر ألقى الثوار القبض على القذافي مختبئا في نفق صغير في مدينة سرت ليقتلوه وسط مشاهد لا إنسانية ودموية أثارت استياء المتابعين. وتوالى سقوط رموز النظام واحدا تلو الآخر وقتل المعتصم نجل القذافى وابو بكر يونس وزير الدفاع في سرت وألقى القبض على سيف الإسلام وغيرهم. وقد تشابهت الثورة الليبية مع نظيرتها التونسية والمصرية في عدد من الأمور، أولها السخط العام على الأوضاع المعيشية وازدياد نسبة البطالة واتساع رقعة الفقر رغم توفر الموارد الهائلة في البلدان الثلاث وخصوصا ليبيا التي تنتج كميات كبيرة من النفط. ويرى المتظاهرون من شعوب الدول الثلاث أن السرقات المستمرة من قبل المسؤولين السابقين واتساع رقعة الفساد مع غياب العدالة الاجتماعية من أهم أسباب الاحتجاج على سوء الأوضاع. ثانيا، هناك تراكم مستمر للغضب الشعبي نتيجة غياب الحريات في المجتمع بما فيها حرية التعبير فضلا عن عدم احترام حقوق الإنسان وإهدارها في الكثير من المجالات، وقد أظهر تعامل النظامين السابقين لتونس ومصر بالإضافة إلى النظام الليبي أن هذه الأنظمة لا تلقي بالاً على سبيل المثال لحرية الاتصال وتداول المعلومات، فقررت الأنظمة الثلاثة قطع وسائل الاتصال والانترنت في محاولة لعزل الشعوب عن العالم، كما قامت بملاحقة الإعلاميين الأجانب واعتقالهم أو التضييق على عملهم حتى لا ينقلوا الصور الحقيقية على واقع الأرض، بينما انشغلت قوات الأمن في عمليات اعتقال للمتظاهرين ومنهم من تظاهر سلميا واقتيادهم إلى أماكن مجهولة لاحتجازهم. ثالثا، روح الشباب السائدة في الثورات الثلاث وقدرة هؤلاء الشباب على تجاوز كل القيود بطرقهم الجديدة في التواصل والعمل والتخطيط ولغة الحوار فيما بينهم. وقد أشعل شباب الانترنت قبيل الثورات الثلاث العديد من القضايا التي تدين الأنظمة وتفضح ممارسات المسؤولين فيها بالصور والمستندات ومقاطع الفيديو في المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك وتويتر ويوتيوب، مما أوجد حالة من التذمر بين صفوف الشباب لتغيير واقعهم المرير إلى الأفضل وبذل كل التضحيات من اجل أوطانهم. رابعا: التوقيت والمكان، فالثورات الثلاث قد قامت في توقيتات متقاربة وفى الشمال الإفريقي المتعطش الى الحرية منذ زمن طويل، وشجعت الثورة التونسية وخصوصا بعد نجاحها في إقصاء الرئيس السابق زين العابدين بن على من الحكم الثورة المصرية على محاكاة نمطها واستخدام بعض من أساليبها ثم شجعت هي الأخرى المتظاهرين في ليبيا على الاحتجاج والمطالبة بحقوقهم في تسلسل وبطريقة تذكرنا بنظرية الدومينو السياسية الشهيرة. أما الاختلافات فتكمن في ردود الأفعال من قبل الأنظمة الثلاثة، ففي الثورتين التونسية والمصرية لم تتعامل السلطات الأمنية وبصفة خاصة قوات الجيش مع المتظاهرين بالعنف المفرط الذي رأيناه في الحالة الليبية، ولم تحلق فوق المتظاهرين في تونس ومصر الطائرات الحربية ولم يكن هناك قصف جوي لتجمعاتهم، فكانت المشاهد القادمة من ليبيا للجثث المتناثرة في الطرقات أكثر بشاعة وإيلاما. وقد أثار إطلاق النار على المتظاهرين في ليبيا سخط بعض قادة الجيش فتركوا مناصبهم. وثمة اختلاف آخر يكمن في ردود الأفعال الدولية وخاصة ردود أفعال الدول الغربية تجاه الثورات الثلاث، فبينما كانت ردود الأفعال الولاياتالمتحدة على سبيل المثال في الثورتين التونسية والمصرية أكثر صرامة وحزما وطالبت بشكل واضح منذ البداية بوقف العنف واحترام مطالب الشعوب. ويرى المراقبون أن التردد الأمريكي الذي صاحب موجات الاحتجاج الليبية كان مبعثه رغبة واشنطن في الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية مع نظام القذافي ومخاوفها على مصالحها من النفط الذي يصل الإنتاج الليبي اليومي منه إلى 1.3 ملايين برميل، حيث تتسم السياسات الليبية في الغالب بتقلبات حادة على عكس السياسات المصرية والتونسية وهما اللتان تميلان في الغالب إلى الاعتدال، ومن ثم رأت واشنطن في البداية أن بقاء الأوضاع على ما هي عليها هو الخيار الأنسب تجنبا لتوترات جديدة ولكنها سريعا ما تحركت بعدما انتقدها المجتمع الدولي لصمتها وحاولت حفظ ماء الوجه بالحديث عن الحريات للشعب الليبي ورفض استخدام العنف واستخدام القوة ضد المتظاهرين المدنيين. الانتفاضة اليمنية وتواصل مسلسل انتفاضة الشعوب العربية، فانطلقت يوم الجمعة 11 فبراير شرارة الانتفاضة اليمنية متأثرة بموجة الاحتجاجات العارمة التي اندلعت في الوطن العربي، وطالبت المظاهرات بتغيير نظام الرئيس علي عبدالله صالح وإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية. وكانت من أبرز التظاهرات التى حدثت تلك التظاهرة التى أطلق عليها جمعة الكرامة 18 مارس في ساحة التغيير بصنعاء والتى قتل فيها 50 شخصا على الأقل، وانضم بعد هذا التاريخ الكثير من مشايخ وزعماء القبائل والشخصيات الاجتماعية إلى الثورة بعد أن انضم إليها اللواء علي محسن الأحمر. وبعدها اعلن صالح حل الحكومة وتكليفها بتصريف الاعمال ووسط الاشتباكات غادر الرئيس البلاد متوجها إلى السعودية يوم 4 يونيو للعلاج بعد سقوط قذيفة على القصر الرئاسي قبلها بيوم، وفى الثالث والعشرين من نوفمبر وقع الرئيس اليمني في الرياض على اتفاق نقل السلطة في اليمن في ضوء المبادرة التي يرعاها مجلس التعاون الخليجي. ونصت المبادرة التي طرحتها دول مجلس التعاون الخليجي على انتقال السلطة من الرئيس الى نائبه، وتشكيل حكومة وحدة وطنية وإدارة مرحلة انتقالية يتم خلالها الحوار من اجل حل المشاكل الرئيسية في اليمن. وفى الأردن والمغرب وقعت تظاهرات مماثلة واحتجاجات على أداء الحكومات وقلة فرص العمل على فترات متباعدة من العام، وتصاعدت احتجاجات في الكويت ضد فساد بعض المسؤولين ليتم حل مجلس الأمة في ديسمبر، كما تعيش سوريا انتفاضة شعبية منذ السابع عشر من مارس وحتى اليوم تخللتها أحداث عنف ومشاهد لا انسانية، وقد وعد الرئيس بشار الأسد بإجراء إصلاحات واسعة ولكنها لم تلق حتى الآن قبولا شعبيا واضحا، كما تدخلت جامعة الدول العربية بقوة وفرضت عقوبات اقتصادية على النظام السوري في أواخر شهر نوفمبر وطلبت من دمشق المساعدة لحل الأزمة بدلا من تصعيدها. احتلوا وول ستريت وامتدت أصوات الشعوب لتعلن عن نفسها حول العالم، فاشتعل عام 2011 باحتجاجات ومظاهرات ضد الرأسمالية المتوحشة، وبدأت في الولاياتالمتحدة وانطلقت إلى مدن وعواصم غربية كثيرة. وناهضت حركة احتلوا وول ستريت الرأسمالية والشركات الكبرى وأسواق المال، لتطالب بشكل سلمى تحول إلى العنف في بعض الأحيان بمحاسبة شركات المال الكبرى عن استغلالها الفقراء والمحتاجين حول العالم. وفى شهر سبتمبر من العام تكونت الحركة التي لا تقف منظمة أو جهة بعينها وراءها لتتحرك بقوة ضد البطالة وضد النظام المالي، وسط تأييد شعبي متزايد. واحتلت الحركة بالفعل ساحة في متنزه زوكوتي بحي المال بنيويورك للتنديد بما سمّوه جشع وول ستريت واحتجاجا على المظالم الاقتصادية. ونظّم المحتجون في السابع عشر من سبتمبر اعتصامات ومخيمات تحولت إلى مجتمعات مصغرة. وكان من الطبيعي أن تتصدى السلطات الأمريكية للحركة وغيرها من الحركات المماثلة في الولايات الأخرى، من خلال محاولات تفكيك الخيام التي نصبت واعتقال العديد من المحتجين. وسرعان ما انتشرت حركة مناهضة الرأسمالية في العالم، فشهدت مناطق واسعة من العالم مظاهرات بالآلاف، فشارك نحو ثمانية آلاف شخص في مسيرة باتجاه مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت العاصمة المالية لألمانيا للاحتجاج على ما وصفوه بالتجاوزات الرأسمالية وظلم النظام المالي العالمي، وخرج نحو عشرة آلاف شخص باتجاه مكتب المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل في برلين، في حين تظاهر في أرجاء ألمانيا نحو 40 ألفا من المحتجين. وفى لندن تظاهر خمسة آلاف شخص في مسيرات بشعار «احتلوا بورصة لندن» وتجمع آلاف المحتجين في الحي المالي بلندن وتصدت لهم شرطة مكافحة الشغب تتخذ تدابير للسيطرة على هذه الحشود. وفى روما شهدت العاصمة الإيطالية مظاهرات تراوحت أعداد المشاركين فيها بين مئة إلى مائتي ألف شخص وقعت فيها بعض أحداث الشغب، وفى إسبانيا نظمت حركة أنديجنادوز مسيرات ضخمة احتجاجا على ارتفاع معدلات البطالة في البلاد. وامتدت المظاهرات إلى نيوزيلندا، فتظاهر مئات الأشخاص في المراكز الرئيسية بالبلاد، وشهدت جنوب إفريقيا مظاهرات مماثلة في مدن رئيسية منها جوهانسبرج وديربان وكيب تاون للاعتراض على أحوال البورصة. وفى استراليا تجمع مئات الاستراليين في حي المال بسيدني احتجاجا علي ما وصفوه بجشع الشركات وانتهت المظاهرة السلمية بتعهد بتنظيم اعتصام أمام المصرف الاحتياطي الأسترالي «البنك المركزي الأسترالي» لسبعة أيام. وخرج مئات الأشخاص إلى الشارع في طوكيو اليابانية للاحتجاج علي مجموعة من القضايا منها طريق التعامل مع الكارثة النووية التي حلت بالبلاد هذا العام. كان الغضب هو سمة العام الجديد بالنسبة لشعوب العالم، وها هى تنتظر مساحة من الأمل والتفاؤل في العام الجديد، فهل يتحقق مرادها؟.