(1) بالتأكيد..فإن لمعطيات الثقافة الخالصة الدور(الأهم)في تشكيل المجتمعات تشكيلا إيجابيا حضاريا,أو سلبيا رجعيا..نوع(الثقافة)التي يتبناها مجتمع ما,هي التي تحدد مستواه الحضاري بين شعوب الأرض,وهي التي تقوده إلى مفازات الرقي والتطور أو إلى مهالك التخلف والشقاء..وسواء أكانت الثقافة مجموعة القيم والأفكار التي تنبثق عن منهجيات التفكير القادرة على التفاعل بإيجابية مع الظواهر الكونية والإنسانية,للبحث الدائم المتحول عن الحقيقة بشروط الانفتاح المعرفي المتفاعل مع الثقافات الأخرى,والاحتفاء بتعددية الأفكار والرؤى,والعمل على إشاعة قيم الحق والخير والجمال(بصيغ فاعلة ممكنة)..أو كانت الثقافة استجابة متحققة لمخرجات العالم الرقمي التكنولوجي الجديد,فإنها بكل تلك التجليات هي الثقافة(الخالصة) التي قصدتها كعامل حاسم في تشكيل المجتمعات,تقديرا لمنطلقاتها الفكرية والمعرفية والفنية الصحيحة.ومادام الأمر على هذا النحو فإني أزعم أن سبب كل أزماتنا المحلية تلاشي قيم تلك الثقافة الخالصة في الوعي الجمعي المتحكم في ممارساتنا وطريقة تلقينا للأحداث والظواهر والأفكار حولنا. على سبيل المثال.. فإني أزعم أن سبب الفساد الاداري المستشري في بعض مؤسساتنا الحكومية- والذي أفضى إلى مشاريع متعطلة وحقوق منتهكة ودماء مراقة بريئة- غياب الثقافة إياها في كل مرة!الثقافة التي تستقر في الوعي الداخلي للإنسان لتحرضه على ضرورة إثبات الذات والاحتفاء بالعمل والانتاج لتسجيل إنجاز مهم لصالح الجماعة عامة في ركب الحضارة,وبالتالي فإن الروح الوطنية المتقدة المتوهجة تشعلها في الغالب ثقافة محفزة خلاقة.. (وإلا كانت الثقافة لدينا مختزلة في أيام ومناسبات وحصص دراسية وصور نعلقها وأغانٍ نسمعها فحسب!)..المثقف الحقيقي طاقة وطنية حقيقية(من أوله إلى آخره).. ..كذلك فهل يمكن لهؤلاء الفتية من أبنائنا أن يندرجوا في مسالك الارهاب الذي تضررت منه هذه الأرض الطيبة وإنسانها,لو كانوا يتوافرون على قدر مقنع من تلك الثقافة الخالصة,التي تقوم (أسسها) على الاحتفاء بالحوار والتسامح مع الآخرين باختلاف طوائفهم,ونبذ الاقصاء والعنف,والاقتران الدائم بسنن الفكر العقلاني الذي يوجه إلى اتجاه معاكس دائما لاتجاه قوى العاطفة الانفعالية المتشددة.. أما عن المرأة فهل لو كان مجتمعنا(معظمه أو نصفه على الأقل)يوسم بتلك الثقافة الخالصة ..كنا قد(تغربلنا تلك الغربلة العجيبة)عندما نريد الخوض في أي من شؤونها التي تطرأ متحولة بتغير الأزمان,من دراستها وعملها وسفرها ورياضتها وقيادتها وحتى في إدارة شؤونها التجارية(الخاصة جدا)..فكل شأن للمرأة يشكل لنا مرتعا للفوضى والاختلاف. ..فقط لأننا نفتقر إلى(ثقافة خالصة) و نعتنق(ثقافة زائفة) مستلبة من(قبل) ثقافات أخرى تحتفي بالصوت الواحد والحقيقة الواحدة,وترفض بحزم كل دعوة نبيلة للتعاطي الثقافي(الصحيح)!.. (2) تطل علينا أصداء تلك الثقافة الغائبة ونحن نعيش هذه الأيام فعالية كبرى للثقافة,تتمثل في الملتقى الثاني للمثقفين الذي ترعاه (وزارة الثقافة والاعلام)بعد انقطاع طويل..ولن نكون أمام ذلك الحشد(الهائل)من مثقفي البلاد إلا متفائلين مستبشرين بغد ثقافي أكثر إخلاصا ومصداقية وإنتاجا..ولم لا؟ونحن نرى هذا الاصرار العجيب على إقامة هذا الملتقى من قبل قادة المؤسسة الثقافية الكبرى في البلاد,وهذا التخطيط (الجاد) من الهيئة الاستشارية للمؤسسة,وإشراف رفيع المستوى من(الوكلاء الفاعلين)في وزارة الثقافة..دعونا نستبشر ونفرح بهذا(العرس)الثقافي الذي سيزف ألفاً من مثقفي البلاد على منصات الثقافة المنتظرة في العاصمة الحبيبة(الرياض),فإني أستشرف غيماً كثيفاً منذرا بخير (عميم) هذه المرة,,وليست كل مرة.. (3) الثقافة الخالصة التي نبحث عن أطيافها في هذه الأيام(بجد)تبدأ من الوعي بضرورة وجودها..فلنبدأ البحث عن ذلك الوعي الخلاق الذي يقنعنا جميعا-عامة ونخبة-بحتمية هذه الثقافة...وشروط إنتاجها! (4) ..لن أكرر القول الذي ينادي دائما برابطة للأدباء وصندوق مالي لهم,ودعم حركة التأليف والنشر,ودعم جمعيات الثقافة والفنون,وبرمجة المشاركة في الفعاليات الثقافية داخليا وخارجيا بطريقة منصفة صحيحة..فتلك أمور لطالما تحدثنا بها,ولابد أنها تكون على(طاولة)المثقفين كأهم الأولويات..ولكني سأذكّر بحقائق ملحة,,لعل من أبزها: *إن فكرنا الثقافي عامة يختزل في الأدب وفنونه ونقده,وقد نجحت مؤسسات وهيئات شتى في تشتيت فكرنا الثقافي وانغلاقه على أجناس أدبية محدده,بغياب واضح من تجليات ثقافية(مهمة),ولذلك فيبدو أن مؤسساتنا الثقافية في حاجة إلى فاعلين ومنظرين جدد في عصر الانفتاح المعلوماتي,وهو الأمر الذي يحتاج إلى إعادة النظر في أهمية معارف شتى كالفلسفة والترجمات وفنون الاعلام الجديد, بما يتفق وتنوع الممارسة الثقافية واتساع نطاقها. **ومن المهم أيضا أن تضطلع المؤسسة الثقافية بحقيقة حاجة مثقفيها-أنفسهم-إلى تثقيف علمي ثقافي يحررهم من أسر تخصصاتهم العلمية,لسد فجوات الفراغ الفكري لديهم,فعندما لايقر معظمهم بوجود هذا الفراغ فإنهم عادة مايملأونه بمد نشاطهم العلمي الخاص,متخذين منه نوعا من(الأيديولوجيا الشاملة) التي يفسرون بها العالم من حولهم,ومآل ذلك-في النهاية-إلى الانغلاق في ثقافة أحادية الأبعاد,واختزال الثقافة في عدد محدد من المقولات والمسلمات,او الوقوع في شبه العلم ( (quasi-science والسطحية العلمية! (5) الحديث عن الثقافة وشجونها كثير كثير.. وليس لي إلا أن أردد كلام أحد الجميلين: «كل الكلام أزرق..إذا حكيت باغرق»..!!وكل(ملتقى)وأحبتي المثقفون بخير وثقافة..