اخيرا ادرك الخليجيون ان عليهم الخروج من بوتقة التعاون الى الاندماج الاتحادي بعد رحلة استمرت 32عاما كانت كافية لمعرفة اسبار واقعهم المليء بالاحداث المتنامية والمحيطة بهم .. وبالامس فجر الملك عبدالله ما تكنه الصدورحين افتتح اجتماعات الدورة الثانية والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بقصر الدرعية بالرياض. دعا فيها لتجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد ومطالبا الجميع استدراك الخطر الذي يحدق بأمن واستقرار المنطقة.في ظل تحديات تستدعي اليقظة، إن هذه القمة تشكل محطة بارزة في مسيرة العمل الخليجي المشترك بما تحمله من طموحات تعكس آمال شعوب دول المجلس وتطلعاتها نحو مزيد من التكامل كما أن ما يضفي أهمية خاصة على هذه القمة أنها تنعقد في خضم الازمات التي تعصف بمحيطنا العربي . لأنها تنعقد في أجواء عالمية مضطربة، فالأجندة الخليجية لم تعد تحتمل التأخير في أي قرارات ستصدر لاحقا او تؤجل لأمد بعيد لذا جاءت كلمة الملك عبدالله بطلب الوحدة الاندماجية بردا وسلاما على قلوب الخليجيين لما لها من اثر بارز في دفع عجلة العمل الوحدوي بين ابناء الخليج .. وحقيقة القول إن التجربة الوحدوية لدول مجلس التعاون الخليجي: السعودية والإمارات والكويت وسلطنة عمان وقطر والبحرين،شكلت عند إعلان تأسيسها في عام 1981 لبنة هامة في إنجاز طموح أعظم وأكبر مشروع وحدوي عربي لأن كل ما قيل عن الوحدة العربية في القرن المنصرم والذي نادى به الكثير من الزعماء العرب فشل فشلا ذريعا لأنه لايملك مقومات النية الحسنة التي يمتلكها الخليجيون ، بل إنها تعدّ اليوم التجربة العربية الأنجح في التنسيق والتعاون بين مجموعة من البلدان بقدر ما جمعتهم الجغرافيا، وحّدت فيما بينهم عوامل وعناصر عديدة أخرى على غرار الانتماء الواحد والهوية الواحدة، كذلك المصير الواحد.ولذا كان لابد من الخروج من بوتقة التعاون الى فضاء الاتحاد القوي والمتماسك في البنية الاقتصادية والعسكرية والكتلة البشرية المتنامية .. واليوم يسطع ضوء الاتحاد الذي بني لبنة لبنة -حتى وإن كان بسرعة السلحفاة وليس الأرنب ولكن في الطريق الصحيح- لإنجاز اتحادنا المنشود. وقد قطعت دول الخليج منذ اتفاقها على صيغة التعاون والاندماج خطوات مهمّة في التقريب بين أبناء أوطانهم.. كالتنقل دون تأشيرات أو حتى جوازات سفر وإمكانية الإقامة والاستثمار حيثما يشاؤون في بلدان المجلس، إضافة إلى المساواة في المعاملة بين كلّ المواطنين من أي دولة من دولهم الست، إلى جانب هذا القرار التاريخي وهو إطلاق العملة الخليجية الموحدة. وان كان قد طال امدها لبعض البروتوكولات النقدية .. لكن قدومها سيكرّس فعلا السوق الخليجية المشتركة. إننا بقدر ما نرتاح ونتفاءل عندما نجتمع كخليجيين على كلمة سواء فإن الأمل أن تسير بقية البلدان والمجموعات العربية على نفس هذا النهج... وقد أثبت مجلس التعاون الخليجي في كل مرة جدواه وفعاليته عندما أرسل قواته إلى دولة الكويت لتحريرها من الاحتلال الصدّامي، وأرسل “درع الجزيرة” إلى مملكة البحرين لتمكين سلطاتها من معالجة الاضطرابات فيها، ولحماية منشآتها الحيوية من دون التدخل في شؤونها الداخلية وقد حاولت ايران بكل ثقلها ان توحي للعالم ان البحرين قد استحلت من قبل السعودية وان السعوديين سيحولون البحرين الى مقاطعة سعودية بحتة الا ان كل تلكم الاباطيل انجلت بعد ان تبينت حقيقة الموقف السعودي النبيل في الوقوف مع الاشقاء البحرينيين ومنع أي تدخل اجنبي في بلادهم خاصة من ايران التي لديها اطماع متنامية في الخليج واضحة المعالم الى جانب ان عرب الاهواز القابعين تحت نير الظلم والجبروت الايراني سيصلون بأصواتهم المنادية منذ نحو ثلاثين عاما عن معاناتهم الى قمة الخليج لكشف حقائق الزيف الايراني الناعق نحو البحرين بينما هو من يقتل ويبطش وينكل بأبنائه في الاهواز العربية كما ان ملف الجزر الاماراتية الثلاث لايزال عالقا من اجل الحل السلمي الذي يطبخ على نار تكاد تكون مطفأة!! ومن هنا يستوجب ان يكون الخليج اتحادا واحدا في قوته العسكرية والاقتصادية مرورا بالقوة البشرية المتنامية التي تحتاج ان تتحد في بوتقة واحدة هذا من الناحية الأمنية، أما من الناحية الاقتصادية، فرغم أن الاتفاقات بهذا الشأن تتطور ببطء بما لايتناسب مع تطلعات شعوب المجلس، فإن العارفين بالشأن الخليجي يرون أنها على بطئها أفضل من عدمها وهناك رغبة ملحة لدى القريبين من أصحاب القرار لتكثيف التقارب بين دول المجلس .وتدور في اروقة الخليجيين عن هذه القمة عدة تسميات اتفق البعض على تسميتها بقمة الاتحاد الواحد وفي هذا الوقت الذي تتحرك فيه الشعوب العربية مطالبة بالإصلاح والتغيير، فقد حان الوقت لتنظر دول المجلس في تقوية وتعزيز صلاحيات هيئاتها الشعبية التي تجتمع لبحث الأمور المشتركة، وثمة مطالبات “رسمية” سابقة بمثل ذلك، وسيكون من المناسب أن تنظر القمة الخليجية المقبلة في هذا الأمر، لأن ذلك من شأنه تقوية اللحمة الاتحادية بينها . وثمة فكرة جديدة جاءت من اروقة مجلس التعاون الخليجي مفادها ان الاتحاد الذي طالب به الملك عبدالله لن يكون اتحادا عسكريا واقتصاديا فحسب بل سيتجاوز الى ماهو ابعد مثل التمثيل الدبلوماسي الموحد للاتحاد الخليجي والقطار الاتحادي الذي سيربط مسقط بأبو ظبي مرورا بالدوحة والمنامة والكويت الى الرياض ثم مكةالمكرمة والمدينة المنورة لتكثيف التقارب بين دول الخليج، وتشير المصادر الدبلوماسية من داخل قاعات الاجتماعات في الرياض إلى أن إستراتيجية مجلس التعاون الجديدة هي عقد اتفاقيات مع العالم الخارجي بشكل موحد وليس كل دولة على حدة ، أي مع الاتحاد الخليجي وليس عبر اتفاقيات منفردة .. ان القمة الخليجية المنعقدة لليوم الثاني على التوالي ليست كباقي القمم لأنها لا تحتمل أي قرارات معلبة او مغلفة بالوعود والاتحاد المتكامل « وفق منظومة معترف بها عالميا يحتاج الى جرأة هي حتما لاتنقص الخليجيين ولأن القوة الاقتصاديةالجبارة التي يملكها الاتحاد الخليجي هي محط انظار العالم قاطبة فلا بد ان تتحد دوله في الكلمة والمعنى وبعيدا عن الولوج في ايديلوجيات قديمة عفا عليها الزمن يحتاج الاتحاد الخليجي الى ممارسات فعلية على ارض الواقع تتمثل اولا بالهوية الواحدة لتنتهي بالعملة الموحدة.