القدرات العلمية والعقلية النادرة؛ عالية التأهيل؛ ذات التأثير، نادرةٌ شحيحةٌ في مجتمعاتنا العربية، وقد تكون موجودةٌ بيننا ولا نعلم! وسرّ ذلك أو أحدُ أسراره -واللهُ أعلم- قلةُ أو عدم الاهتمام المناسب والواجب بهذه النوعية من العلماء والمفكرين والنابهين! نعم.. وبكل أسف نحن مجتمعات بل ومؤسسات نجيد فن وأسلوب تجاهل ونسيان هؤلاء، ولا نُقدِّمُ لهم من الاهتمام والدعم والاحتفاء ما يستحقون وما به يستطيعون أن يقدموا وينشروا ما عندهم ويؤثروا في بناء وتنمية مجتمعهم. وحتى أكون منصفًا: نعم هناك نوع تكريم ولكن بعد الممات! ومن هؤلاء النوابغ من طبقة العلماء الموسوعيين الذين يندرُ وجودهم وحضورهم في هذه الأزمان المتأخرة، رجلٌ يعيش بيننا وأحسب أن كثيرًا منْ شبابنِا المثقف اليوم لا يعرفهُ أو قل: لا يعرفه حق المعرفة ولم يفد منه! ذلكم هو: شيخنا العلامة المفكر والأديب الفيلسوف: أبوعبدالرحمن بن عقيل الظاهري (مذهبًا لا نسبًا) فهو عالم استثنائي بكل ما تعنيه الكلمة، في مذهبه الفقهي الذي اختاره دون العالمين اليوم، وهو: مذهب الظاهرية الذي يكاد لا نعرفُ له أتباعاً في عصرنا سوى الشيخ أبي عبدالرحمن وقرينه الراحل أبي تراب الظاهري رحمه الله. استثنائي في اهتماماته العلمية، وطريقة وأسلوب تحصيله العلمي، فهو: يكادُ يفني وقتَه وجهدَه في فنٍ ما حتى يكاد لا يُعرفُ إلا به، ثم ينتهضُ من جديد؛ فيتحول لعلمٍ آخر فيبدعُ هنا ويؤلف هناك في بحث دائم عن المعرفة والحقيقة لا يكلُ ولا يملّ شابت لحيته ودقّ عظمه وهو لا يزال -متعه الله بالصحة وسلمت براجمه من الأوخاز- لا يزال يُعطي ويُنتج. الفقه والتفسير واللغة.. نحوًا وصرفًا وأدبًا والتاريخ والأنساب والفلسفة وعلم المذاهب والأديان، بل والشعر النبطي؛ كل هذه الفنون شارك فيها؛ وتخصّص؛ وألّفَ؛ وأبدع. في ظني لو وجد الشيخُ من إعلامنِا أو جامعاتنا أو مؤسساتنا المعنية دعمًا واهتمامًا ورعايةً تليق بقدْره وقُدُراتِه العلمية، ولو ركّزَ هو بعضَ الشيء، فخرجنا على الناس عرباً وعجماً به فيلسوفًا ومفكرًا ومنافحًا عن أصول الاعتقاد وحرمات الشرع والفضيلة والفكر الصحيح، لكسب الوطنُ وأهل العلم والمعرفة علماً نفخرُ به، يقدّم عنا وعن أوساطنا العلمية والثقافية صورةً علميةً وفكريةً غير نمطية عالية التأهيل. أستاذي الفيلسوف الظاهري أبا عبدالرحمن: طال العهدُ وأهمّني البعد، وكاد رجائي ينقطع من الوصول إليك! فقد استفرغتُ الوُسعَ وبذلتُ الجُهدَ، ولم أفلح! فلعل هذه الكليمات تُنفّسُ همًّا وتُحدِثُ عندك أمرًا، فتظهرُ بعد غياب، ويكون بعد الذهاب إياب! فليتك تعود مشرقًا كما كنت، فعندك الكثير الذي لم نسمعه ولم نقرأه، فأسماعنا وعقولنا بحاجةٍ أن تستمع إلى الطرح العلمي الدقيق والعميق، بحاجةٍ أن نعلم الجديد، ونقف على الفريد، فكثير من قضايا الفكر والثقافة لا نسمع فيه إلا من جاهل أو متطفل أو غير متخصص! فأنتَ ابنُ بَجْدَتِها وبُعْثُطِها، فعدُ وشارك ولا تكتمُ علماً منَّ اللهُ به عليك.