توصل زعماء الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق مالي جديد يضمن تشديد إجراءات ضبط الميزانيات، لكنهم فشلوا في تغيير المعاهدة لتتضمن هذه القواعد مما يعني أن الاتفاق يشمل دول منطقة اليورو فقط وعددها 17 دولة من اصل 27 دولة تشكل مجموع الاتحاد الأوروبي . وقد تمكن زعماء الاتحاد الأوروبي بعد محادثات ماراثونية في بروكسل من التوصل إلى اتفاق على سقف لحجم صندوق الإنقاذ المالي الدائم لمنطقة اليورو وأطلقوا على الإتفاق اسم «آلية الاستقرار الأوروبية»، على ان يكون حجم الدعم عند حدود ال 500 مليار يورو. وسيعاد النظر لهذا الرقم في يوليو من العام المقبل وهو موعد بدء سريان هذه الآلية. كما اتفق الزعماء أيضا على بحث فكرة تقديم قروض ثنائية إلى صندوق النقد الدولي بقيمة إجمالية قدرها 200 مليار يورو على أن تأتي 150 مليار يورو من ذلك المبلغ من منطقة اليورو لدعم موارد الصندوق للتصدي لأزمة ديون أوروبا. ولقد رفضت بريطانيا مراجعة المعاهدة الأوروبية من اجل تشديد الانضباط المالي في منطقة اليورو وهددت بمعارضة المشروع ، وطالبت شركاءها بتنازلات ولا سيما في ما يتعلق بمراقبة قطاعها المالي، وهي مطالب وصفها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بأنها «غير مقبولة». اما رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون فقد برر رفضه الموافقة على تعديل معاهدة الاتحاد بقوله : كان «قرارا صعبا لكنه جيد» حفاظا على مصالح بريطانيا. وأضاف «إذا لم يكن من الممكن الحصول على حاجز (في وجه الأزمات) داخل المعاهدة، فمن الأفضل البقاء خارجها»، مؤكدا أنه لم يكن بوسعه عرض هذه المعاهدة الجديدة على برلمان بلاده لأنها لا تحمي المصالح البريطانية داخل الاتحاد الأوروبي مثل حرية التبادل وفتح الأسواق. واتفق الزعماء الأوروبيون بفرض عقوبات تلقائية على المخالفين لقواعد الميزانية في منطقة اليورو ما لم تصوت ثلاثة أرباع الدول الأعضاء ضد هذه الخطوة. وأقروا إجراء مالياً جديداً يتعلق بإيراد نص مكتوب عن تحقيق الموازنة في دساتير البلاد وذلك بهدف الوصول إلى نتيجة متوازنة خلال دورة اقتصادية كاملة، لكن بحسب مشروع القانون النهائي فالقاعدة المقترحة ستكون أكثر مرونة وستسمح للبلدان بمستوى بسيط من العجز البنيوي. وسيكون على محكمة العدل الأوروبية التحقق من إمكانية تطبيق هذه القاعدة على مستوى كل دولة. وفيما أشادت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بقرارات قمة بروكسل ووصفتها بأنها «جيدة للغاية « وستخلق اتحادا ماليا جديدا بالنسبة لليورو الذي سيمثل في الوقت نفسه اتحادا نقديا مستقرا، فقد اعتبر خبراء اوروبيون مختصون ان الاقتراح الذى قدمه الزعماء الأوروبيون فى قمة بروكسل ليس كافيا لتسوية أزمة ديون منطقة اليورو .. وأعربوا عن أعتقادهم أن التركيز كان على كيفية معاقبة الدول التى تواجه العجز المالي وليس اعترافا باحتياجاتها الى آلية تضمن تخفيف حدة الصدمة التي تتعرض لها تلك الدول التى تعاني الآن من صعوبات مالية . وبناء على ذلك فإن الاتحاد الأوروبى سوف يقع فى حلقة مفرغة اذا أدت ازمة الديون السيادية الى تشديد العقوبة واذا أسفر التقشف الشديد عن ارتفاع معدلات البطالة. وبرأي الخبراء أنه من اجل انجاح منطقة اليورو لا بد من صياغة آلية محددة لتقاسم المكاسب والخسائر بالاتحاد الاوروبى، ولا ينبغى أن يطبق التقشف بهذه الشدة على اساس كل بلد على حده لأن قدرة دولة مثل اسبانيا على حفز سوقها الداخلية قد تكون محدودة باعتبارها جزءا من السوق النقدية الأوروبية، ولهذا لا بد من ضرورة اتخاذ بعض التعديلات في النظام النقدي والمالي للاتحاد الأوروبي. وعن جدوى اقتراح اصدار سندات أوروبية يرى الخبراء إنه ينبغى أن يكون ذلك جزءاً من الحل، فبدون سندات أوروبية سيكون من الصعب للغاية أن يلعب البنك المركزي الأوروبي دور المقرض الحقيقي كخيار أخير موضحين أنه يمكن للبنك المركزي الأوروبي أن يتدخل في السوق للحجز على الأصول وانهاء حالة الذعر، وأن الموقف الذي اتخذه مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الولاياتالمتحدة عام 2008، يمكن تطبيقه بطريقة مختلفة وبشكل طفيف في القارة الأوروبية للمساعدة في ايجاد الحل . وبانتظار التوصل الى اتفاق جماعي بدت اوروبا اليوم منقسمة نقدياً بين فريقين لكل منهما طروحاته وقناعاته مما يعني ان اليورو سيبقى يترنح الى فترة ، وبعد ذلك إما ان يسقط نهائياً او يستعيد عافيته الفعلية خاصة وان كل ما تم اقراره حتى الآن هو كناية عن حبوب مسكنات وليس علاجاً جذرياً .