أثبت شبابنا السعودي أنهم على قدر كبير من المسؤولية، وأنهم رجال مواقف، فكثير ما سمعنا وشاهدنا جهودهم المبذولة في خدمة الآخرين خلال الأزمات والكوارث، التي تجتاح المدن والمحافظات على حين غرة وبدون مقدمات، فكان أولئك المخلصون على أهبة الاستعداد في مد يد العون والمساعدة لمن يحتاج للمساعدة والإنقاذ.. فمعظمهم أصحاب مروءة ونخوة وشهامة، والأمثلة الدالة على ذلك كثيرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر: ما قام به بعض المتطوعين من أعمال بطولية خلال احتراق مدرسة براعم الوطن، حيث هبّ الشباب القريبون من منطقة الحدث لنجدة الطالبات والمعلمات، وتكسير النوافذ وأبواب الطوارئ لإخراج المحتجزين في داخل المدرسة، وساهموا بجهود طيبة حسب قدراتهم وإمكاناتهم في تحرير عدد كبير من المأسورات في داخل مبنى المدرسة. وهناك نوع آخر من المتطوعين الذين تقدر أعدادهم بالآلاف من الذين شاركوا في عمليات الإنقاذ والإخلاء ومساعدة كثير من العالقين في مياه الأمطار والسيول إبان كارثتي سيول جدة في عامي 1430ه / 1432ه، وبذلوا جهودا كبيرة، ومشاركات فاعلة، في خدمة المتضررين (رجال ونساء وأطفال)، من مداهمات السيول وتأثيراتها السلبية على الأرواح والممتلكات، والبنى التحتية، وقدموا أعمالا تطوعية خدمية على أرقى المستويات نالت استحسان الجميع. كانت تلك الفرق التطوعية التي ضمت العديد من أبناء هذا البلد المعطاء، تنظم نفسها بنفسها، وكان لها قيادات من نفس فئاتها توجه أعمالها، وكانت تعمل على مدار الساعة من أجل خدمة الآخرين، وتقديم العون والمساعدة لهم، كل ذلك العمل الخير كان يقدّم بدون أي تطلع لمكافآت مادية، أو شهادات تقديرية، أو حتى الانتظار للحصول على كلمات الإطراء، بل كان يدفعهم لذلك حب الوطن، ودرء الخطر وتخفيف المعاناة عن سكان مدينتهم المحبوبة، ورغبتهم الصادقة في إغاثة الملهوفين، والعاجزين، معرضين أنفسهم أحيانا للتهلكة من أجل سلامة الآخرين. رأينا شبابا يعملون بجد وحيوية، وهمة ونشاط، في كل القطاعات الخدمية: في إنقاذ الغرقى، وإخراج المحتجزين، ورفع السيارات، وإيصال المقطوعين، ومساعدة العاجزين، وتقديم الطعام والشراب للمنكوبين. تضحيات كبيرة يقدمها شبابنا وقت الحاجة وعندما تستدعي الضرورة وجودهم، فهم موجودون في كل مكان من مملكتنا الواسعة، وهم أقرب ما يكون للفزعة والمساعدة وقت الأزمات، يدفعهم لذلك حب العمل الخيري التطوعي طامعين في الأجر والثواب من الله. للعمل الخيري التطوعي أوجه كثيرة ومتعددة، يقوم بها أصحاب الهمم العالية، والقلوب النقية المجبولة على حب الخير وتقديم العون للآخرين، فمنهم من يعمل في وقت الحدث لمساعدة الآخرين، ومنهم من يعمل فيما بعد الحدث في إيصال المساعدات العينية والمواد الغذائية والطبية، ومنهم من يعمل بسيارته الخاصة ذهابا وإيابا ولساعات طوال وهو في قمة السعادة، وغيرها كثير من المهام المتعددة التي ينجزها شبابنا على أكمل وجه وبدون كلل أو ملل. هذه أخلاقيات شبابنا، وهؤلاء هم البنية الأساسية التي يقوم عليها بناء هذا الوطن، وهؤلاء هم المؤمل فيهم مستقبلا بإذن الله، همم عالية، ورغبة جادة في العمل، وحب للوطن، وطاعة لله ورسوله ولولي الأمر، والاندفاع نحو العمل الخيري، الذي قال فيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - «أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عزّ وجلّ سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعا... ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزل الأقدام، , وأن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل» مثال آخر للعمل الخيري التطوعي الذي يحبه الله ورسوله وصالح المؤمنين ، وهو (ما سمعت عنه)، من قيام بعض الشباب في بعض المحافظات وما يتبعها من مراكز وقرى وهجر، من خدمات جليلة، وهي تقديم المساعدات العينية للفقراء، والمساكين، والأرامل والأيتام، والعجزة من كبار السن المتناثرة مساكنهم في مجاهل الصحراء، ويفتقرون لمن يعيلهم، ويبحثون عمن يخدمهم.. يقوم شباب تلك المناطق والمحافظات ببذل قصارى جهدهم، ويسعون بكل أريحية في أن تصل المعونات في أوقاتها وبانتظام، فهم يمثلون همزة وصل بين التجار والفقراء، وهؤلاء الشباب يعملون في صمت وهدوء بعيدا عن الرياء وحب الظهور، وينجزون جلّ أعمالهم بهمة ونشاط، ويصلون بخدماتهم لكل من يحتاج إليها. نحن بدورنا نؤكد على العمل الخيري التطوعي، كما نأمل أن تتبنى هؤلاء المتطوعين جهة رسمية – مثل هيئة حقوق الإنسان – لأنها الجهة اللصيقة بمثل هذه الأعمال، لتدريب وتجهيز القائمين على تنظيم الأعمال التطوعية، وأن تقدم لهم الدورات، وتُنشِئ لهم قاعدة بيانات تجمع أسماء المشاركين حتى يسهل الاستدعاء وقت الحاجة، بحيث يعلم كل متطوع العمل الموكل إليه، والجهة التي يتجه إليها، وإعدادهم إعدادا جيدا لمواجهة الكوارث والأزمات فور وقوعها لا سمح الله، وأن يكون هناك جهة إشرافية على دعم وتطوير هذه المنشأة، وحبذا لو تكون إدارة قائمة بذاتها تحت إشراف مباشر من سمو أمير المنطقة أو محافظ المنطقة، حتى يسهل إنجاز العمل في أسرع وقت بعيدا عن البيروقراطية، وتعقيدات القرارات، لأن تلقي الأوامر من صاحب الصلاحية مباشرة يسهل العمل، ويسرع خدمة المحتاجين للمساعدة، لأن العمل التطوعي يحتاج للتحرك السريع دون إبطاء، مع التنسيق مع الجهة ذات المسؤولية المباشرة وهو الدفاع المدني في المنطقة للمساعدة في توجيه المتطوعين للمناطق التي تحتاج إلى الدعم والمساندة فقط.