لا تُغادرْ.. أرجوكَ.. أنتَ الشبابُ لمْ يَحِنْ بعدُ يا صديقي الغيابُ لا تغادرْ.. فما تزالُ ربيعًا أنتَ أمطارهُ وأنتَ السحابُ لا تغادرْ فعُمْركَ اليومَ بدرٌ ولياليكَ كلُّها أحبابُ ِلِمَ تستعجلُ الرحيلَ وفي العمرِ دروبٌ مخضرةٌ وهضابُ كم عشقتَ الحياةَ طفلاً وكهلاً لم تتبْ مِثلما الكثيرونَ تابوا كيفَ تمضي ولم تزلْ في هواها وهوى النفسِ دائمًا غلابُ لا تغادرْ يا صاحبي فجراحي ظمأٌ دائمٌ وأنتَ الشرابُ فانتظرني لكي نموتَ سويًّا هكذا دائمًا يموتُ الصحابُ *** كيفَ يا صاحبي تموتُ وأبقى وأنا بالذي أُصبتَ مُصابُ كيفَ تشكو والداءُ بين ضلوعي فلديكَ الشكوى وعندي العذابُ أنتَ من يَشربُ الدواءَ وعندي الداءُ يا صاحبي ومالي شرابُ فالأنينُ الذي لديكَ سؤالٌ والعذابُ الذي لديَّ جوابُ حاصرتْنا الآلامُ ثم أُسِرنا ثم شِبنا في الأسْرِ معْ مَنْ شابوا وحملنا العناءَ شهرًا فشهرًا واقتسمناهُ فاستقامَ النصابُ واشتركنا فيهِ فلم يفصلني عنكَ يومًا بابٌ ولا بوابُ *** كيف أرثيكَ يا صديقي حيًّا وعلى الشعرِ سُدَّتِ الأبوابُ كلُّ يومٍ يمرُ يكبرُ جرحي فحِرابٌ تمضي وتأتي حِرابُ فالفوانيسُ لا فتائلَ فيها والمواويلُ ما لها زريابُ كيف يا صاحبي وأنتَ أمامي يحضرُ الشعرُ والطريقُ ضبابُ ربعُ قرنٍ والحبُّ يبدأ مِنا فكلانا في حبّهِ عَرَّابُ يا رفيقي لن يرجعَ الأمسُ يومًا هلْ من الخمرِ ترجعُ الأعناب؟ فإذا متَّ فالكلامُ معاقٌ لا حروف لهُ ولا إعرابُ وإذا وجهُكَ الحزينُ توارى عن عيوني فكلُّ عينٍ «دياب» فوداعًا أبا البناتِ وداعًا أنا لا أنتَ مَن عليهِ الذهابُ أنتَ في مجلس العزاءِ تُعَزَّى أنتَ مَنْ عندهُ يطولُ المصابُ أنتَ حيٌّ فوقَ الترابِ معافىً وأنا مَن عليهِ يُحثى الترابُ لندن 18 مارس 2011م --------- (*) نظم الشاعر هذه القصيدة قبل وفاة المرحوم الأستاذ محمّد صادق دياب بعشرين يومًا بعد أن أكّد له الأطباء أن صديقه لن يعيش أكثر من ثلاثة أسابيع.