المتابع لمسيرة النقد الثقافي منذ مطلع القرن التاسع عشر يدرك أننا نسير في ركاب بعض الاتجاهات للنقد الثقافي ونعرض عن أخرى بل جمدنا عقولنا عن استنباط اتجاهات جديدة، فقد هيمن على النقد الثقافي الاتجاه الذي ابتدعه طه حسين وسلامة موسى وغيرهما حينما اتجهوا بالنقد لصميم العموميات الثقافية وطالبوا بالاتباعية للثقافة الغربية اتباعًا كليًا من حيث الفكرة والمنهج، فطالبوا بحركة تنوير تقوم على فصل الثابت الديني الذي يقوم عليه قادة المجتمع من العلماء فجعلوهم طرفاً كبيراً في النزاع، ووضع أولئك المثقفون ومن تبعهم أنفسهم في غربة شعبية واجتماعية فجل الشعوب الإسلامية تدين بالثبات وترفض صراعه من مكوناته الحياتية، إذن فكيف تكون حركة ثقافية ناجحة إذا صيرت نفسها عدوة لركنين من أركان المجتمع. وكذلك كان هم العلماء التصدي لهؤلاء والسياسيون يرضون هؤلاء تارة وهؤلاء تارة وأضحى الإنجاز ضعيفًا مذبذبًا. أليس هناك طرائق أخرى أفضل من هذا وأكثر فاعلية. وإذا اجتنب أربابها النظرية التي تجعل من الثابت عدواً للتطور والعلم والمعرفة وتصالحوا مع الركنين، واتخذوا منهجاً وسطياً أو بعيدًا عن الانحياز لهذا أو ذاك. وقد كان لأسلافنا نماذج في ذلك ومنهم: 1- محمد علي الخديوي الذي باشر بإيفاد البعثات لأوربا، واستقطاب المعرفة ونتيجة لذلك لم يعارضه العلماء والأهم أنها وجدت ميدانا للتطبيق داخل مصر ولم يعارضها احد بل استجاب الشعب لها. وانتشرت الصنائع ولم يعرقلها إلا الاستعمار خشية منها. ولم يعرقلها إلا أولئك المثقفون الذين سخروا من التطوير المعرفي والتدريب وبناء الصناعات باسم انهم لم يستلهموا الثقافة الغربية. 2- نجد أن كثيرا من الاتجاهات الإسلامية في بداية النهضة نهجت هذا النهج فالسنوسية في ليبيا فافتتحت مدارس للمهن والطب وكذلك في دمشق ولم يسجل التاريخ أن الاتجاهات الدينية حاربت تلك المدارس كما لم تحارب البعثات. إن نظرية كون الثابت الديني ضد التطور المعرفي وهم صنعه النقد الثقافي. 3- ومن النماذج التي لامست الحراك الثقافي الديني الشيخ محمد عبده الذي طور الدراسة الأزهرية ولم يكن لها معارضون بل استمر منهجه التطويري لأنه لم يحدث صداماً مع علماء الشريعة ولم يجعل منهجه ضمن منهج نظرية أن الثابت ضد العلم والمعرفة ولا العكس. 4- نموذج الدولة السعودية التي قامت على الدعوة السلفية فالملك عبدالعزيز ورجاله استقطبوا المثقفين، ومعالم النهضة، وبعثوا البعثات واستوردوا الأجهزة الحديثة. ولم يقف معارض لها إلا القلة القليلة ومثل هؤلاء لا بد منهم ولا ضير منهم. النقص كل النقص في فلسفة المثقف والمفكر فهو أكبر الاتباعيين والمقلدين فأكثر مثقفينا الذين هم الطليعة، تقليديون منذ قرنين. فأين المفكر الذي ابتدع منهجاً جديداً يستطيع من خلاله تجاوز الثنائية التضادية ويحولها إلى ثنائية تنافسية إلى الإصلاح التكاملي. والذين قاموا بفلسفة إدخال المباح وغير الممنوع أو المشتبه به وبادروا إلى فلسفة – العمل والإنجاز فاستحوذوا على المعرفة، بدلاً من صناعة نظرية استباقية تهيئ للتصادم. 5- وخير دليل فإن العلماء الذين ينافحون عن الثوابت هم الأسبق لتوظيف تقنية المعلومات فالواقع أن التضادية الثقافية وهم اصطنعه أصحاب النفوذ المادي أو نفوذ الجاه أو نفوذ السبق الثقافي أو التعالي الثقافي من كلا الطرفين المتضادين. ونحن في أوائل القرن الحادي عشر ما زلنا في النقد الثقافي نتبع ونقلد فهذه الكتب والمقالات بل الكتب الفكرية التي تتصدر معارض الكتب تقوم على نظرية التضاد والتي قامت عليها الثورة الأوروبية ضد الكنيسة واتبعهم مثقفونا ولم يتأملوا الفوارق الثقافية وكذلك الكتاب الذي يتصدرون كبريات الصحافة العربية بل الذين يكتبون في الصحف العالمية كلهم ينسجون على هذا المنوال. فإلى متى تتمحور حول هذه النظرية في العقلانية ولم نستطع تطويرها. Masd_300@hotmail. com