استمرار ارتفاع الأسعار يؤرّق المواطن والمقيم، وخاصة ذوي الدخل المحدود، ومَن ليس لهم دخل ثابت، كالذين لم يلتحقوا بوظائف؛ ويعتمدون -بعد الله- على الكدّ بسيارة محمّلة بالأقساط، وتعاني التنافس من شركات تملأ الشوارع، وآخرون يجرون وراء قطيع محدود العدد من المواشي، هي الأخرى تأكل رعيها بالأعلاف التي ارتفعت أسعارها، إضافة إلى ما ذُكر، وممّا يثقل الحمل، فواتير الاتصالات، والكهرباء، والماء، والجزاءات المرورية التي في مقدمتها «طيب الذكر» ساهر، ورسوم الاستقدام لمختلف المهن، وتجديد الإقامات. وتعالج وزارة التجارة والصناعة التضجر من ارتفاع الأسعار بتكرار التصريحات، بتكثيف الرقابة على الأسواق لئلا يتم التلاعب بالأسعار. والحقيقة أنه لا توجد رقابة شاملة، بل نسبية، وذلك لعدم توافر مراقبين متخصصين في هذا الشأن، وإنّما بعض فروع الوزارة تعتمد على موظفين غير متفرغين، ويُكلَّفون خارج وقت الدوام، بما لا يزيد عن ساعتين، ولا يستطيعون القيام بجولات شاملة، بل جزئية في محيط إقامتهم، فمثلاً فرع الوزارة بالمدينة المنورة يفترض أن يغطي ست محافظات، وما يزيد على خمسين مركز إمارة، بالإضافة إلى الهجر التي تكتظ بالسكان، واتّساع مساحة المنطقة التي تمتد من الشمال إلى الجنوب أكثر من ستمائة كم، ومن شرقها إلى غربها ما يقارب هذه المسافة. فكيف يُغطي خمسة وعشرون موظفًا -هم حصيلة فرع الوزارة بالمدينة المنورة، وغير متفرغين- هذه المسافة الكبيرة المملوءة بالسكان والأنشطة التجارية، وهم يعملون تحت مسمّى مراقبة الغش التجاري، لا مراقبة الأسعار، ومع ذلك يجمعون بين الاثنين، ولكن «على قدر يا موسى». وعلى الرغم من التأكيد المستمر من صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن ماجد -حفظه الله- على مراقبة الأسعار، ومجازاة مَن يتجاوز. إلاّ أن جهود فرع الوزارة لمراقبة الأسعار محدود؛ لعدم توافر مراقبين متفرغين. وكم سمعنا من التصريحات والوعود بتكثيف الرقابة على الأسواق للحد من ارتفاع الأسعار. إلاّ أن ما صرّح به معالي وزير التجارة قبل فترة باعتماد خمسمائة وظيفة لمراقبة الأسواق، وقبل أيام أضاف إنه تم اعتماد ثلاثمائة وظيفة لمراقبة الأسواق، ليصبح العدد ثمانمائة مراقب ومراقبة؛ ما يعطي الأمل في إمكانية تحقيق رقابة فاعلة. فإذا اعتمدت هذه الأعداد فعليًّا، وأُحسن اختيارها، وتم تدريبها بالشكل المطلوب، ستكون النتائج محمودة إن شاء الله. وإذا وُجّهت هذه الأعداد لغير هدفها ستسن العمالة الوافدة -التي تتلاعب بالأسعار كيفما شاءت- سكاكينها، وكأنك يا بوزيد ما غزيت.. والله المستعان. وقفة: الخفافيش لا تظهر إلاّ في الظلام؛ لأن النور يقتلها، حالها كحال بعض الناس الذين وجدوا في الشبكة العنكبوتية ضالتهم للنَّيل من الآخرين بما لا يستطيعون المواجهة فيه.